انتظرناهم في 2008، وجاؤوا.
انتظرناهم في 2011، وجاؤوا.
انتظرناهم في 2015، وجاؤوا.
منذ اثني عشر يوماً ننتظرهم، وصدر القرار اليوم.
هزّ نصر الله إصبعه الذي هدّد به، فغضب الأهالي… عفوياً.
انقضّ شبيحة السلطة، بتسهيل من القوى الأمنية، على بضعة خيم وأحرقوها، مدافعين عن «هيبة» زعيمَيْن باتا أقرب إلى بلطجيّين، يهدّدان ويتوعّدان ويفلتان «كلابهما في الشوارع». في لحظة غضبهم المصطنع، ردّد الشبّيحة أكاذيب إعلام الثورة المضادة، متّهمين المتظاهرين بالعمالة والتمويل الخارجي والخيانة. ظهرت تساؤلات صحافي الممانعة «البريئة» على حقيقتها: مجرّد تبرير للعنف.
وكما أتوا «عفوياً»، ذهبوا «عفويا»، تاركين وراءهم مشاهد الدمار والتكسير. عادوا إلى حضن زعمائهم الذين لم يكفّوا عن استغلالهم من أجل الـ«51%» تبع رندة بري.
ربّما اعتبر الزعيمان أن الرسالة وصلت.
لكنّها تبدو أنها وصلت إلى مكان آخر. تلقّاها الرئيس الشكليّ لحكومتهم، فاستقال في بيان مقتضب يساوي الصفحات العديدة لورقة إصلاحاته السخيفة. ربما كان «هل سطرين» أذكى ما قاله الحريري خلال مسيرته السياسية القصيرة. وربّما كان تزامن هذين الحدثين مقصوداً: تهديد بالعنف مقرون بجائزة ترضية. وربّما ينذر بانهيار التحالف السياسي الذي قام عليه العهد. لا ندري. لكنّ هذا ليس مهمّاً بعد اليوم. فالسلطة الفعلية للبلاد، أكانت السلطة الأمنية أو السلطة المالية، ما زالت قائمة.
العهد فقد بهلوانه، ولكنه ما زال يمتلك رئيسه.
ذهب البهلوان، وبات أمام العهد خياران.
الأول هو حكومة «اللون الواحد»، وهي عنوان لانفجار جديد.
أما الخيار الثاني، فحكومة «تكنوقراط»، أي بكلام آخر، حكومة من سياسيّي الصف الثاني لأحزاب السلطة. هذا هو الفخ الذي يواجه الثورة اليوم، وهو محاولة إخمادها من خلال بدعة الأخصّائيين والخبراء، الخاضعين لسلطة السياسيين والمصارف. ولنتذكّر من أحداث اليوم أن وزيرة الداخلية من التكنوقراط. مهما كان خيار العهد، فالشيء الوحيد الأكيد أنّنا اليوم أمام مرحلة من القمع المتزايد وانفلات لعنف الدولة. العهد لن يسلّم بسهولة، بعد خسارته المزدوجة اليوم: خسارة رئيس حكومته وفشله في قمع الشارع.
السؤال الآن هو من سيكون ضحيته الأولى.
من دون أي حرج، بات المطلوب اليوم إسقاط العهد، برئيسيه الباقيين، كمدخل لإعادة إنتاج السلطة السياسية.
هذا العهد فقد أي شرعية سياسية، وبات من الضروري الاتجاه نحو انتخابات مبكّرة، تعيد فرز ولو جزء من هذه الطبقة السياسية. هذا العهد فقد أي شرعية سياسية، وبات العصيان المدني أداة شرعية في وجهه، وإن كان لا يحتاج أن يأخذ شكل قطع الطرقات. هذا العهد فقد أي شرعية سياسية، وبات البحث عن منطلق لشرعية جديدة تنبثق من هذا الشارع الثائر هو المدخل الأساسي لعقد اجتماعي ومناطقي جديد.
سقطت الحكومة اليوم، وبدأت الثورة.