نقد ميديا
سمير سكيني

هل سمعتم بالمِهبَل من قبل؟

10 آذار 2021

المِهبَل: أنبوب عضليّ يمتد من الفَرج إلى الرحم، ويبلغ طوله عادةً ما بين 7 إلى 10 سم. بالدارج نقول: كس. «مهبل؟! هاه!»، تَستعجب المحاوِرة، تضحَك، كيف لأحدٍ أن يقول «مِهبَل»؟

ننطلق في هذا المقال من حلقة «ع غير كوكب» التي عُرضَت الأحد الفائت على الـMTV ، حيثُ استضاف مقدّم البرنامج بيار ربّاط (بحضور 6 من ضيوفه الدائمين)، الدكتورة ساندرين عطالله، المختصّة في علم الجنس والعلاج النفسي- الجنسي، والتي تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية الجنسية.

نختار التعليق، لا للانجرار إلى مستنقع الإعلام اللبناني المُتلفَز، بل لأنّ «الهجمة» التي شُنَّت 1) على المسألة الجنسية و2) على الدكتورة ساندرين، فقط لِكَونها دكتورة امرأة، مسألة خطيرة يجب التوقّف عندها، ومواجهتها، وبَترها.


«مجتمع المشهد»

أنا بدي اعتذر على الفيديوهات يلّي قطعوا.

يعتذر مقدّم البرنامج من المشاهدين، بعد أن اجتزأ من فيديوهات الدكتورة ساندرين ما يناسبه لتبرير موقفه، ثمّ يُعيبها لنشر تلك المواد على تيك-توك (حيث يتواجد عدد كبير من المراهقين). منذ اللحظة الأولى، يفرّغ الإعلام الموضوع من مضمونه، تماشياً مع معايير «مجتمع المشهد» الذي يفضّل الصورة على الحقيقة. فيتحوّل النقاش إلى:

وجوب أن يكون الأطفال على التيك-توك أم لا

عوضاً عن مناقشة أصل الموضوع، وهو:

وجوب تقديم التثقيف الجنسي لكل الفئات، أيّاً تكن المنصّة.

ولكون الـMTV أكثر المحطّات ليبراليّةً، قد يعتقد المشاهد أنّها تتبنّى المسألة الجنسية، الأمر الذي يسمح لها أن تكون في موقع الوَصي وأن تُعيب الدكتورة ساندرين وأن تتّهمها بالمبالغة. خطأ؛ محطّة ليبراليّة الهوى، نعم، لكنّها تتبنّى موقفاً رجعياً في السياسة الجنسية، شأنها شأن كل الوسائل الإعلامية التقليدية. هنا بالتحديد، دور الإعلام البديل، وأهميّة استعمال الدكتورة ساندرين لحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ضدّ الرجعيّة الجنسيّة.


الرجعيّة الجنسيّة بقناع «الأخلاق»

دعونا لا نراوغ. «الأخلاق» في التوعية الجنسية مَطّاطية. ما رأيناه ليس «أخلاقاً» يجب التوقّف عندها، بل هو الموقف الرجعي من السياسة الجنسية، وهو المسيطر على البنية النفسية المُجتَمعية في لبنان. أكثر من ذلك، تقول القاعدة أنّ «دور الطبيب هو الاهتمام الجَدّي بصحّة المريض، أي باقتصاده الشَهواني الجنسي الليبيدي، وليس بأخلاقيّته». وهذا ما تقوم به الدكتورة ساندرين، وهذا هو الموقف التقدّمي من السياسة الجنسيّة. وهذا ما يحاربه الفكر المُسيطر لتبرير الكبت.

لماذا؟ لأنّ الكبت الجنسي يساهم في بناء الشخصية اللازمة للإبقاء على النظام الاجتماعيّ التسلّطي والأبويّ.


الجنس لتجديد النسل

في تعليقهم على فيديو حول الاستمناء، أو إمتاع الذات، أو ما نُسمّيه من باب الخطأ العادة السريّة كما أوضَحَت الدكتورة خلال الحلقة، يَتعفّف الضيوف الستّة ضربةً واحدة، وكأنّ أحداً منهم لم يستمنِ في حياته. ثم يقول أحدهم:

أنا مش عم علّم ابني الـmasturbation بعمر السبع سنين، أنا عم علمه انّ العلاقة الطبيعية بين الرجال والمرا بتجيب ولاد.

هذه هي إذاً حدود «العلاقة الطبيعية» بين رجلٍ وامرأة بالنسبة لهؤلاء. وظيفة المرأة: ماكينة إنجاب. وظيفة الرجل: ماكينة تحبيل. وظيفة الجنس: تجديد النسل.

تتعدّى خطورة هذا المنطق تكريس الإنجاب كناظم للعلاقة بين الرجل والمرأة، وتصل إلى حدّ نفي كل ما يمكن أن يدور في العلاقة من خارج فلَك الإنجاب: نفي اكتشاف الذات واكتشاف الآخر وتشاركيّة التجربة. نفي المشاعر ورعشة النشوة. نفي الحميميّة واللّذة المُتأتّية عن كل أعضاء الجسد، وحصرها في الأعضاء التناسلية وتقزيم هذه الأعضاء على أنّها تناسلية فحسب.


عربيٌّ أنتَ؟

لا أعرف يوري مرقَّدي سوى من شهرته لأغنية «عربيٌّ أنا»، لكنّه هنا، أحد الضيوف الدائمين للبرنامج. وإن ظننتم أنّ التبريرات محصورة بالشقّ النَفس-بيولوجي، عايِنوا نظرية يوري:

المشكلة هي اللغة. أنا إذا بتقوليلي «مهبل» بهرب!

المشكلة بالـLanguage، تضيف زميلته.

لكنّ اللغة حدود الفكر. إن تمكّن المنطق السائد من حذف هذه المفردات من قاموسنا، تمكّن من تغييب هذه الممارسات من يوميّاتنا. يصبح الحديث عن المسألة الجنسية صعباً؛ لأنّ الفتاة التي تريد أن تستفسر من أمّها عن مهبلها، ستستحي من استخدام كلمة «مهبل». وقِس على ذلك. يختار المراهقون طَي أسئلتهم الجنسية، وبالتالي يوافقون على جهلهم الجنسي، لأنّهم لا يجدون الكلمات المناسبة لقَولَبة أسئلتهم.


الذكوريّة دائماً

بعدما استدرك الحاضرون أنّ لكل حججهم تفسيراً علمياً، اختاروا التصعيد:

في عتب ع صوتك، صوتك Sexy. يقول أحدهم.

طريقة كيف بتحكي، في كتير إثارة وفي كتير Fantasy.

ممحونة، في محن.

غرّدت الدكتورة ساندرين الجواب في اليوم التالي:

إن تكلَّمَت طبيبة امرأة حول الجنس في اللغة العربية، فهذا مثير وشَنيع. أنا أكيدة لو أنّني رجل، لما كانت فيديوهاتي لتصدم أحداً. أمرٌ مُحزن.


العلاج امتياز، وإتاحته ضرورة

للفلفة الموضوع، وافق الحاضرون على المادّة شرط حصرها بقناةٍ خاصّة، على أن يقصد من يريد معلومات إضافية طبيباً. ما فاتَ هؤلاء، هو أن قصد الطبيب امتياز. الاستشارة الطبية والتشخيص السليم وتلقّي العلاج امتياز، امتياز طبقي بالتحديد. جزء من نشر المعلومات بشكلٍ متاح ومجّاني، هدفه كسر هذا الامتياز، والسماح للجميع بتلقّي الحد الأدنى من الثقافة الجنسية. هيّاها: تكرهون– (أنتم من تملكون ترَف معاينة أخصّائي) تكرهون أن يسلبكم العامّة هذا الامتياز.

أكثر من ذلك، حتّى لو أُتيحَت هذه المعلومات على وسائل التواصل، فهي لم تصل بعد إلى العامّة. من هم بالفعل في بؤس جنسي ومن هم بالفعل بحاجة لإرشاد جنسي، لا سبيل لهم لوسائل التواصل الاجتماعي حتّى.


خلاصة

إذا اليوم بدّك ترجعي تنشري، بتحطّي نفس الشي؟

بهذا النَّفَس الأبوي يضغط مقدّم البرنامج على الدكتورة ساندرين لمراجعة مواقفها وتعديلها. نتأكّد هنا أنّ سبب استضافتها لم يكن أبداً محاورَتها أو الاستفادة من خبرتها، بل هو هجمة لضَبط موضوع يهدّد المنطق السائد. بالمختصر، هؤلاء يفضّلون التجهيل. يريدون توعية جنسية نافية للنشاط الجنسي.

التجهيل من أعمدة النظام. الإبقاء على أفكارٍ محافظة في المسألة الجنسية (مثل حتمية الإنجاب وتحريم الاستمناء وقدسية العذرية وتبرير الكبت الجنسي)، هي من ضرورات الإبقاء على النظام نفسه. أمّا ما فَعَلته الدكتورة ساندرين، عن قصد أو دون قصد، لحظةَ أثارت المسألة الجنسية علنيةً، فهو خلخلة أحد أعمدة هذا النظام.

لهذا السبب بالتحديد، تهافتت أجهزة النظام الإيديولوجية للإنقضاض عليها. لا من أجل الـRating فحسب، بل لمنعها من خلخلة آلهة القمع. لهذا السبب بالتحديد، أبرز المدافعين عنها كانوا شباباً، لكَونهم يعيشون ذروة نشاطهم الجنسي وبؤسهم الجنسي، ولكونهم يرَون في الثقافة الجنسية حاضنةً لنشاطهم، كما يرَون في الأفكار التي ورثوها من محيطهم نفياً له.

نحن، في هذه المرحلة من حياتنا وبسبب ما يروّج له المنطق الأبَوي، على حافّة أن يحلّ الخوف من اللذة والمتعة والمعرفة مَحلّ الكفاح من أجلها. لكنّنا، صراحةً، سنكافح من أجلها: المسألة الجنسية والكلام على أجسادنا واحتضانها بلا خجل مسألة طبيعية، لا بل، في شروط لبنان، مسألة ثوريّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان
قتيل بصواريخ حزب الله على نهاريا 
 أعنف هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية أكثر من 68 قتيلاً في غارات تدمُر