ناغازاكي وهيروشيما استُهدِفتا وهما مدينتان ذات تواجد مسيحي كثيف
نقولا صحناوي، نائب وقياديّ في التيّار الوطني الحر
المواطن العوني، كقياداته، يستلهم حياته السياسية من عالمٍ موازٍ. لا نفهمه أو بالأحرى غير معنيين فيه. فنحن، أي المواطنين العاديين المتضررين من الموت والفساد والقتل والتفجير، لا نرتقي لهذا العالم الذي تنمو فيه مدنهم المجازية والمفصّلة خصّيصاً لمخيالهم الضيّق.
تلك المدن يبدو أنّها صارت تبنى بالوهم على ركام مدننا الواقعية ودم سكانها ومهجّريها ونازحيها وعمّالها الأجانب. فجريمة المرفأ التي حدثت في ذروة حُكم العونيّة السياسيّة وتحت عيونها وتتحمّل مسؤوليّتها مع قياداتها وكتلتها النيابية، ما هي إلا استهداف صريح للمسيحيين- ولا أحد سواهم- وفق جوارح المواطن العوني وقناعاته. وعبر البرهان والمقاربة والقياس المعتمد على معلومات عامة مستقاة من «ويكيبيديا»، فإنّه يمكن الجزم بأنّ المناطق المتضرّرة من المجزرة استُهدِفت لأنها ذات غالبية مسيحية. ولذا، فإنّ سكان الكرنتينا من المسلمين والعمّال الأجانب من الديانات الأخرى، لم يستهدفهم التفجير، بل راحوا ضحاياه بالصدفة.
يسكتشف المواطن العوني «ويكيبيديا» من خلال مدنه المجازية. أي أنه يعطي لهذا الفضاء الغنيّ، من ثقافته المحض عونية، المرتكزة على «ورقة التفاهم» وكتاب «الإبراء المستحيل» من جهة، والمستقاة من خطابات جبران باسيل وماريو عون الطائفية وشتائم قائدهم قبل أن يصبح رئيساً. فالويكيبيديا العونيّة لها خصوصيّتها وقاعدتها الإبستمولوجية، المستخرجة من العقل العوني المضطهَد والخائف والمرعوب من التوطين ومن النازحين السوريين والعمال الأجانب والمثليين والعابرات جنسياً ومن المسلمين عموماً والسنّة خصوصاً، ما داموا بالنسبة لهم مشاريع دواعش. ولأنّ هذا المواطن مرتهن لخطاب تياره السياسي ونوّابه ونوائبه على حدّ سواء، لا بدّ أن يكون قد وجد في كلام نقولا صحناوي شفاءً لما يختلجه من شعور بالمظلومية.
ويبدو أنه لا تنقص نقولا صحناوي العبارة، وهي وإن ظهرت ركيكة وضعيفة الحجة، إلا أنّها إبنة ثقافتها وبيئتها السياسية وترتكز في خطابها العام إلى الموسوعة الإلكترونيّة. فعبارات القيادي في التيار الوطني الحر تستلهم معناها وكلماتها من ثقافة عسكرية وسياسية ضحلة، اعتمدها ميشال عون نفسه، وتلبس لبوس العموميات. تلك الثقافة التي تحوّل ما هو عامّ إلى «خصوصيّة» يستفاد منها انتخابيا، ولا تخرج عن كونها عونية بامتياز.
ولأنّ صحناوي، ابن عائلة تملك من الإرث، ما يجعلها تنتمي إلى حيّها الضيق، بتاريخه الآفل في زمن لم يعد نفسه، وبأكثرية مسيحية تعيش في خوفها، فإنه لم يخرج هو نفسه من هذا الإرث، وأضاف إليه لاحقاً رثاثة تياره السياسي وفكره. وهو ما يجعله هذا النوع من التكنوقراط الذي لا يفهم سوى بمعرفته العونية. وعمله السياسي أشبه بزعامة تقليدية تتشبّع من حقل معجميّ مرتبط بكلمات كـ«برجوازي» و«مسيحي» و«أقليّات» و«أكثرية»، تتلطّى خلف عبارة مطاطة: «كلامي سيُفهَم بأنه طائفي»، للتبرّؤ من هذه الحقيقة الجليّة. وما استدلال صحناوي بمعلومة طفيفة وغير مؤثّرة أمام هول ما أحدثته قنبلتا ناغازاكي وهيروشيما، وإسقاطها أمام جمهور تياره وعلى شاشته إلا خبثاً طائفياً، يعبّر تماماً عن هذا العقل العوني الرجعي، المقيم في حسابات ضيّقة ومغلقة وسامة.
نحن كمواطنين لم نسلم من هذا العهد الفاسد والقاتل والمجرم، وبدا أن ويكيبيديا لم تسلم منه أيضاً.