قضية الأسبوع كهرباء
ميغافون ㅤ

أن تقطع الكهرباء في منتصف حرب

13 تموز 2024

لم يكن تفصيلًا أن يشهد مرفق حسّاس كمطار بيروت أو مؤسسة مياه الجنوب انقطاعًا في الكهرباء في هذه المرحلة بالتحديد. شهدت تلك المؤسسات سابقًا هذا النوع من الانقطاعات كنتيجة لنفاد خزّانات الفيول في معامل الكهرباء. غير أنّ الانقطاع الحالي حصل في منتصف حالة الحرب، بل وفي الفترة التي يترقّب فيها المقيمون في لبنان إمكانيّة اتساع نطاق هذه الحرب في أي لحظة. كما هو نتيجة لتلاعب مالي وسياسي بين مصرف لبنان وقوى سياسية، يفاقم الأخطار التي تهدّد البلد. 


البحث عن مسؤول

لم يرتبط انقطاع الكهرباء ونفاد الفيول إذاً بأي أزمات تمويليّة. فالأموال المطلوبة لتسديد مستحقات الفيول العراقي، سواء السابقة أو الجديدة، موجودة أساسًا في حسابات مؤسسة كهرباء لبنان لدى المصرف المركزي. وهذه الأموال تكدّست بالليرة، لكنّ المشكلة الأساسيّة هي في امتناع المصرف المركزي عن تحويل هذه الأموال من الليرة اللبنانيّة إلى الدولار الأميركي، لتمكين المؤسسة من تسديد ثمن الفيول. يشار إلى أنّ مصرف لبنان راكم منذ آب الماضي أكثر من 1.3 مليار دولار من السيولة بالعملات الأجنبيّة، بفعل سياسة احتجاز الإيرادات العامّة، وهو ما يفترض أن يتيح بيع العملة الصعبة لمؤسسة الكهرباء.

أمّا حجّة مصرف لبنان، فهي عدم وجود اعتمادات في الموازنة مخصّصة لتمويل هذه المدفوعات. وهذه الحجّة لا تنسجم مع حقيقة أنّ المؤسسة تتصرّف بحصيلة الجباية الخاصّة بها، ومن موازنتها الخاصّة المستقلّة، لا موازنة الدولة اللبنانيّة العامّة.

ومن المعلوم أن مصرف لبنان وافق سابقًا على تحويل 118 مليون دولار من مستحقات الفيول العراقي، من دون السؤال عن الاعتمادات في الموازنة. أمّا عن سبب عدم تشريع هذه التحويلات ضمن مشروع الموازنة، أو بموجب قانون خاص، فمسؤوليّة الإجراءين تتوزّع ما بين وزارة المال وإدارة مجلس النوّاب، أي لدى نفس الفريق السياسي الممسك بحاكميّة مصرف لبنان حاليًا.


أبعاد سياسة مصرف لبنان النقديّة

لا يحتاج الأمر إلى كثير من التحليل لنكتشف نوعيّة السياسات النقديّة التي يتّبعها مصرف لبنان، والتي أدّت إلى التطوّرات الأخيرة في قطاع الكهرباء. ففي حسابات الدولة لدى المصرف المركزي، ثمّة أكثر من 4.8 مليار دولار من الإيرادات العامّة المحتجزة، من بينها أكثر من نصف مليار دولار جرى تكديسها منذ شهر شباط الماضي. تحقق سياسة احتجاز الإيرادات العامّة هذه هدفين أساسيّين، فهي:

  • ترفع من حجم احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة حين تكون هذه الإيرادات بالدولار النقدي، كحال الرسوم التي يتم جبايتها في المرفأ أو المطار. 
  • تمكِّن المصرف من امتصاص كميّة من السيولة بالليرة، حين تكون هذه الإيرادات بالعملة المحليّة. وهذا ما يسمح للمصرف باستعمال الليرات لشراء الدولار النقدي من السوق الموازية، من دون خلق كميات إضافيّة من النقد بالعملة المحليّة، ومن دون الإضرار بسعر صرف الليرة.

في الحالتين، يقوم مصرف لبنان بمراكمة احتياطاته بالعملات الأجنبيّة على حساب الماليّة العامّة، مع الحفاظ على الاستقرار النقدي. بهذا المعنى، يحقق المصرف المركزي أهداف سياساته النقديّة، على حساب السياسة الماليّة.


أهداف احتجاز الإيرادات العامّة

ليس مصرف لبنان وحده المتورّط باحتجاز الأموال العامّة. فقد ارتُكِبت هذه الجريمة على مراحل، وعلى امتداد مثلّث واضح المعالم: حاكميّة المصرف المركزي، ووزارة المال، ورئاسة مجلس النوّاب.

فحبس الأموال على هذا النحو كان يحتاج إلى موازنة وهميّة تقوم على تقدير منخفض جدًا وغير واقعي للإيرادات، لتبرير عدم منح الإدارات العامّة حاجاتها التمويليّة. وهذا تحديدًا ما سهّلته وزارة المال خلال مناقشة الموازنة في مجلس النوّاب.

ثمّ تكفّلت رئاسة المجلس النيابي، من خلال إدارتها لجلسات نقاش الموازنة، بتجنُّب تصحيح الموازنة، والتغاضي عن طرح أي تشريع يمنح الإدارات العامّة سقوفًا أعلى من الاعتمادات. ومن هذه التشريعات المرجأة، على سبيل المثال، القانون الذي ينص على تحويل مستحقات الفيول العراقي، وفقًا للعقد الموقّع بين لبنان والحكومة العراقيّة.

لكن لماذا هذا التواطؤ؟

ثمّة العديد من التحليلات التي تحاول تفسير السياسة المتبعة حاليًا: 

  • قد تمهّد هذه السياسة لفكرة سدّ فجوة الخسائر المصرفيّة من إيرادات الدولة اللبنانيّة التي تحصّلها من جيوب المقيمين، وذلك من خلال مراكمة مصرف لبنان بعض الاحتياطات عبر الطرق الملتوية التي يتّبعها منصوري. 
  • تستهدف هذه السياسة خلق «وسادة» من السيولة التي تعطي السلطة السياسيّة هامش الحركة، في حال عدم إنجاز الاتفاق التمويلي مع صندوق النقد الدولي. 
  • في الوقت نفسه، تحقق هذه السياسة أهدافاً أخرى لحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بالتحديد، من خلال تسجيل حقبة من الاستقرار النقدي المدعوم بمراكمة الاحتياطات، بعد فترة الاضطراب النقدي والمالي التي شهدتها ولاية الحاكم السابق رياض سلامة. 

نكايات العونيّين

لكن أين هو وزير الطاقة وليد فياض من كلّ ذلك؟

بعيداً عن السياسة النقديّة المتبعة، يبدو أنّ ملف الكهرباء تحوّل مرّة جديدة إلى ميدان لشدّ الحبال بين التيّار الوطني الحر وحركة أمل.

وعلى هذا الأساس، لم يكن غريبًا أن يبدأ التقنين الكهربائي من مؤسسة مياه الجنوب ومطار بيروت (التابع لوزارة الأشغال) بالدرجة الأولى، قبل تعرّض المرافق العامّة الأخرى للتقنين الكهربائي.

كما شكّلت تلك التطوّرات مناسبة لعودة العونيين إلى الحديث عن إفشال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لخططهم الكهربائيّة، في محاولة لغسل أيديهم من مسؤوليّة فشل سياساتهم في هذا القطاع في الماضي. 


لم تنتهِ مفاعيل خطّة الظلّ حتّى هذه اللحظة.

هذه الخطّة التي تعمل على توزيع خسائر الانهيار الاقتصادي، لمصلحة فئات محدّدة دون غيرها. فالسياسة القائمة اليوم، تشلّ الأدوار البديهيّة للدولة كتأمين الكهرباء، لمصلحة مراكمة احتياطات في مصرف لبنان. ومن يدفع الثمن هو كل مستفيد من شبكات الحماية التي تؤمّنها الدولة اللبنانيّة، وكل من لا يستطيع تأمين البديل عن الخدمات العامّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل ترتكب مجزرةً في منطقة البسطا
62 شهيداً في عدوان الخميس 21 تشرين الثاني 2024
غارة إسرائيلية تقتل علي علام، مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 22/11/2024
3,645 شهيداً، 15,355 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان