نقد
سلسلة
ممارسات ثقافية
طوني شكر

حول غرفتي

2 نيسان 2022

امبراطورية الصور يللي بنيناها من وقت نهاية الحرب قشطت على روسنا. صور، صور وين ما كان. مش بس بالثقافة، بس كمان بالاقتصاد والسياسة والاجتماع… واللغة. صور بكل نواحي حياتنا، وما في شي حقيقي. ضلّينا سنين هيك من دون ما حدا ينتبه، لحد ما بلش يللي سميناه «الانهيار». بس قد ما استعملنا هالكلمة، بطّل عندها الوقع يللي مفروض يكون عندها ياه. صارت كلمة بين الكلمات، للاستهلاك اليومي، منستعملها هيك، نحنا وقاطعين بنهارنا: كيفك؟ منيح ماشي الحال. ونحنا عارفين بقفا راسنا انو ما في شي منيح وانّا ماشيين بحقل دمار وركام، وانو اكتر شي فينا نعملو انو نفاوض اللحظة قبل ما تمرق. 

هيدا الركام هوي ركام كل السرديات يللي منعرفها عن بيروت… 

مدينة عريقة للمستقبل 
المدينة يللي صمدت وقاومت الاحتلال الاسرائيلي 
المدينة يللي بتحب الحياة 
مدينة السهر يللي ما بتنام 
مركز الشرق التعليمي 
مستشفى الشرق 
مصرف الشرق ومركزه الاقتصادي… 

كلو تدمّر وما في شي ممكن حدا يصدقو بقى. والناس بتنام وبتقوم وبتتحمم (اذا في ميّ سخنة) وبتضهر من بيوتها وبتمشي بالشوارع وبتقول: كيفك ماشي الحال؟ بس كل الناس فعلياً عم تحط خطط لكيف بدّا تهرب من هالعصفورية، وكتير منن عم ينجحوا. وفلّوا. 


بهيك وضع، شو منعمل؟ منرسم؟ منعمل تجهيزات فنية؟ منعمل مسرحيات وافلام؟ منرقص؟ شو منعمل؟ شو الممكن وشو المتاح وكيف؟ ولمين عم نعمل حيللا شي؟ مين هوي الجمهور المفترض وشو بدنا نقللو؟ 

الأسئلة يللي عم تفرض حالها على الثقافة، الاسئلة يللي ضروري نلاقيلها أجوبة، هي أتقل وأشد وطأة من الأسئلة يللي واجهناها، وطرحناها، من بعد ما خلصت الحرب. لأن وقتها كنا مفترضين انو الدمار يللي عم نشوفه هو دمار ماضي، بينما المستقبل مليان احتمالات. انما هلق، فالدمار هو حاضرنا، وهو مستقبلنا، وما في شي جايي بالعشرة أو عشرين سنة الا ما هو مدّمر سلفًا. 

طبعًا، الأسهل انو نرجع نستأنف يللي كنا عم نعمله قبل، قبل انهيار امبراطورية الوهم على روسنا. منرجع منعمل معارض وافتتاحات ومنحمل كاس نبيد وبيسألونا كيفنا؟ ومنقلّن ماشي الحال. هيدا هيّن لأنو منعرفه وممرنين عليه منيح. وفينا كمان ننفذ خطة الهروب من العصفورية ونروح عبلاد ما بتعيد النظر بوجودها كل ما هب الهوا ونعمل يللي منعمله ويسألونا ?how are you ونقلّن ?fine, and you فينا نعمل هيك ايه. وفينا نمشي بحقل الدمار يللي منسميه بيروت بعيون مفتحة، بركي منبلش نقشع، لأن اذا قشعنا، منصير نعرف شو ممكن نقول، وكيف، ولمين. بركي هيك يصير شو بعرفني انا… وبركي نصير تماثيل ملح متل ما صار بسادوم وعمورة ونختفي بالبحر بعد اول شتوة. وبركي هيدا الشي يكون منيح لأن هالأرض تحملت منّا كتير.


عم بتطلّع برعب وبقرف على يللي منسميه «المنظومة»، هيي وعم تعيد بناء نفسها. والأرجح تنجح بهل مهمة لأن الناس يللي واقفين براتها وعم يتطلعوا فيها ما عندن فعليًا شي يقولوه… او يمكن عندن بس ما حدا عندو طاقة يقول شي بقى. والمنظومة منها بس الاقتصاد الليبرالي او المصارف او منظومة السلاح او الفساد او المحسوبيات… 

هي كل هول، وزيادة كمان. 

هي كل شب أو صبية قلنالن انو بالهجرة بيحققوا احلامن، بس نحنا فعلياً ما ناطرين منن الا هل كم مية دولار يللي بيبعتوهن كل شهر. 
هي كل سايح إجا وأخدناه «طعميناه لبناني»، وضل نص الأكل عالطاولة، ورجعنا سألناه قبل ما يفل شو رأيك بلبنان؟
هي كل عملية تجميل انعملت، مع قرض مصرفي أو بدونه. 

المنظومة كمان هي كل فنان أو مثقف بالاجمال اشتغل على علاقاته العامة أكتر ما اشتغل على شغله. هي كل معرض تحمّلنا فيه حدا معه مصاري وآراءه الهبلة كرمال يدعمنا شي نهار. هي كل مرّة دحشنا حالنا بالحديث تبركي ننعزم على العشا، لأن الطاولة مش للأكل، الطاولة للبيزنيس. 

المنظومة هي كل هول، وأكتر كمان، تما حدا يفكر إنو بريء، وما خصّه… وأوّلن أنا. 


عم بتطلّع برعب وقرف على المنظومة عم تعيد بناء نفسها، على الحياة كيف عم ترجع طبيعية، وهي أصلاً ما كان فيا شي طبيعي، وما في شي بتمّي غير المسبات. لأن حتى اللغة تدمّرت، وقاعدة بتمنا متل الجيفة، وما في شي عايش غير السبّ. 

شو بتقلّو ليللي بدو وفيه وبيقدر؟ سبّو.
 شو بتقلّو ليللي بدو يحوّل الأزمة فرصة؟ سبّو. 
شو بتقلّو لتبع المقاومة والصمود؟ سبّو. 
شو بتقلّو ليللي اعتزل؟ سبّو. 
شو بتقلّو ليللي عزمك على افتتاح معرضه؟ كمان سبّو، بس بقلبك لأنو صديقك ولأنك بتعرف إنو طيّب شو بدو يعمل؟ 

هي الإشيا هيك بتصير وكلنا منجرب ندبّر حالنا متل ما منقدر، والمصاري ما بتطلع عالشجر. بس برضو سبّو. لأن إذا كان الشعار «لا إعادة إعمار قبل العدالة»، ليه ما بكون كمان «لا إنتاج فني وثقافي قبل العدالة»؟ ليه ما بكون كمان «وقّفوا كل شي، حتى الساعات والطيارات والهوا والشتي، وقفوا كل شي، ما شي بيمشي قبل العدالة»؟ ليه يا منايك، ليه؟ عشو كلو راكض وورا شو وكرمال شو؟ 

قلت هيك مرة قدام صديق فنان، قام قلّي انو انا كتير راديكالي وعم فكّر بالإشيا اكتر ما لازم. اذا كان عم يقرا هالنص بحب قلّو أيري فيك لأنو وقت كنا عم نحكي جوابه فاجأني وما صحّلي قلّو.


عم بتطلع برعب وقرف وما في شي عندي غير مسبّات لأنو اللغة صارت جيفة معفنة بتمّنا. وعم فكر بكل الوقت يللي ضاع مني بكل اصحابي يللي تركوا البلد، وبهزّ براسي لأن شو بعرفني، ما بعرف ما بعرف ما بعرف، مبلا بعرف إحكي عن الثقافة. وهيدا يللي قلته. 

سلسلة

ممارسات ثقافية

«الفن بعد الكارثة»، «الممارسات الثقافية بعد الانهيار»، «الثقافة بعد التمويل»… طرق مختلفة لمقاربة سؤال واحد، بات أقرب إلى لعنة تلاحق ممارسات عليها أنّ تبرّر وجودها دوريًا بإسم كارثة أكبر: الحرب، الانهيار، الأزمة…
ربّما كان في تكرار هذا السؤال إشارة إلى قلق خفيّ، قلق مَن يُنتج هنا، في حقول ثقافية دائمًا قيد الإنشاء، ودائمًا قيد التدمير. لكنّ في السؤال أيضًا دعوة لمعاينة حاضر أصبحت فيه الثقافة مطالبة بأن تكون أكثر ممّا هي، أن تكون إحدى الإجابات على أسئلة هذا الحاضر.

كاميرامان المخابرات والفن | نقد
أحياناً | نقد
عن عدم ضرورة العمل المسرحي اليوم | نقد
النقد الأدبيّ في الصحافة اللبنانيّة: اجترار الخواء | نقد
أي فنّ أريد؟ | يوميات
سي.ڤي. الكارثة | نقد

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية