- شو هيدا مأيّد لي «غضب الأهالي 10 آلاف ليرة»؟ شو هيدا غضب الأهالي؟ بالمسرحية يعني؟ - ايه في عندك مشهد سَيّد نزيه، منشوف الأهالي بيكونوا فرحانين، بيحصل شي معيّن، وبيغضبوا. (شي فاشل، زياد الرحباني - 1983)
تدور في مسرحية «شي فاشل» مسرحية أخرى، فولكلورية، حبكتها أنّ غريباً سَرَقَ الجرّة. يُخرجها الأستاذ نور (زياد)، ويتلبّك كلّما ساءله السَيّد نزيه، مموّل العمل، عن التكلفة المترتّبة عليه. ومع أن مشهد «مشهد غضب الأهالي» يُعتبر أبرز قفشات المسرحية، إلّا أن المسرحية تنتهي من دون مرور هذا المشهد؛ فلكم أن تتخيّلوه.
كانت هذه مسرحية، وكان غضب الأهالي تمثيلاً، وكان المشهد مضحكاً، لكن السيّد نزيه لم يضحك - كَونه سيدفع الثمن.
السبت الفائت، وقف الأهالي - أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت - أمام المجلس النيابي، الذي أجَّل في اليوم السابق البتّ بطلب القاضي طارق بيطار رفع الحصانات عن 3 نوّاب مدّعى عليهم. المفارقة أنّ لجنة الإدارة والعدل التي قرّرت التأجيل، تضمّ النائب غازي زعيتر، أحد المُدّعى عليهم. ولكم أن تتخيّلوا غضب الأهالي عند انتهاء الجلسة.
هذه ليست مسرحية، وغضب الأهالي حقيقي، والمشهد ليس مضحكاً، لكن ثمّة من يضحك - ظنّاً منه أنّ لن يدفع الثمن.
بعَينين شاخصتين صوب المجلس، وبصوتٍ ثابت وواضح، أعلن ابراهيم حطيط، المتحدّث باسم لجنة الأهالي، عن الخطوات التصعيدية التي بدأت الأسبوع الفائت والتي ستستمر حتّى ينال الأهالي مبتغاهم. يعلن عن الخطوات تارةً، ويهدّد تارةً أخرى.
يا نبيه بري، انت استعدَيتنا انتَ وقفت ب وجنا ح تدفع الثمن، وأنا وعدتك.
قطع ابراهيم حطيط وعداً، وهو شقيق ثروت حطيط، أحد شهداء الانفجار. وقد يكون هذا التهديد، أول تهديد يُوجَّه لـ«دولة الرئيس» ويستأهِل أن يتوقّف عنده المرء بجدية. غالباً ما اعتدنا القَول: من يجرؤ على تهديد برّي، علناً؟ على ما يبدو، أحدهم يجرؤ.
شو بعده قاعد عم يعمل؟ يحرس الكرسي؟ تقول سيّدة من بين الجمع. كرّت السبحة، وتناوب الأهالي على تقزيم عملاق الدولة. هاكم، هذا غضب الأهالي أمامكم، أمام رجلٍ صدَّ رفع الحصانات، رجلٍ حمى مُدّعى عليهم، إذاً، هو رجل شارك بالجريمة. القياس واضح، وعادل، ومنطقي.
لو منّه خايف وجبان ما كان بيعمل هيك، يقولون.
سبق تحرّك المجلس النيابي تحرّكٌ أمام مقرّ بري في عين التينة. لمن لم يشاهد، بإمكانكم تخيّل مجريات الأمور. كيف يتصرّف «حرس الرئيص» أمام أي تحرّك «حقّاوي»؟ التشبيح ثم التشبيح ثم التشبيح - هكذا أوصاهم أبوهم. فاعتدوا على الأهالي، ضربوا أهالي تفجّر أبناؤهم وأشقّاؤهم.
ما بقى عنا شي نخسره، يقولون. دفعنا الغالي والنفيس، يقولون. كل مين عرقل التحقيق شريك بالجريمة ودمّه مهدور بالنسبة إلنا.
تلت تحرّكَ المجلس النيابي وقفةٌ أمام منزل وزير الداخلية محمد فهمي. لمن لم يشاهد، بإمكانكم تخيّل مجريات الأمور. هذا الشبل، من ذاك الأسد. اعتدى مرافقوه على الأهالي، وفي التفاصيل، صفعوا والدةَ ضحيّة، مرّتَين، مرّتَين صفع نفس العرص نفس السيّدة على وجهها!
هاكم، هذا غضب الأهالي أمامكم، وهذه ليست مسرحية.
هذا غضب الأهالي أمام رجلٍ رفض رفع الحصانة عن موظّف دولة، رجلٍ حمى مُدّعى عليه، إذاً، رجل شارك بالجريمة. أو للدقّة، رجل مجرم، هو قالها ملءَ فمه. قتل اثنَين، وفقأ عيوننا، ثم مشى في الأرض مختالاً فرِحاً، مقترحاً على الأهالي - بكامل وقاحته - أن يطلعهم على أسماء القضاة الذين أشاروا عليه بالرأي القانوني الرامي إلى حماية عباس ابراهيم. بالمناسبة، من هم هؤلاء؟ من هم الذين وضعوا معرفتهم في خدمة الإفلات من العقاب؟ هل هذه مسرحية؟
كلا. هذه ليست مسرحية، غضب الأهالي حقيقي، والمشهد ليس مضحكاً، لكن ثمّة من يضحك - ظنّاً منه أنّ لن يدفع الثمن.
في نهاية المشهد، يردّ زياد الكلفة العالية لمشهد غضب الأهالي إلى تغيير الشراويل، لأنّ شراويل الغضب غير شراويل الفرح. لكن اليوم، الكلفة ليست في سعر الشراويل، بل في سعر الطرابيش.
كم ثمن الطربوش الذي وضعه محمد فهمي على رأس عباس ابراهيم؟ وكم ثمن الطربوش الذي وضعه نبيه بري على رؤوس النوّاب الثلاثة؟ وكم ثمن طربوش جان قهوجي، وطربوش طوني صليبا؟ وكم ثمن الطرابيش التي وضعها حسن نصرالله على رؤوس هؤلاء أجمعين، حينما أجهض مسار التحقيقات في خطابه الأخير؟ وهلمّ جرّا، تطول لائحة الاستدعاءات، من هذا المحور أو ذاك… فلا أحد يمشي هنا بدون طرابيش.
وفيما يسند الأهالي بجرأتهم استمرار تحقيقاتٍ يصعب التعويل عليها أساساً، لا يكفي أن ننتظر نحن «مشهد غضب الأهالي» الجديد لنشاهده وحسب. لا يكفي. فهذه ليست مسرحية، وغضب الأهالي حقيقي، والمشهد… «المشهد»، ألم تكن أطنان الأمونيوم كافية لإسقاطه أيضاً؟