تعليق انفجار المرفأ
سامر فرنجية

تحيّة إلى ابراهيم حطيط

13 كانون الأول 2021

ابراهيم حطيط

قدّم ابراهيم حطيط، رئيس «اللجنة التأسيسية لأهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت»،  «طلب نقل الدعوى» ضد القاضي طارق بيطار. تأتي خطوة حطيط لتستكمل حرب الزواريب التي شنّها النظام على التحقيق، مستعملًا شتّى الأسلحة، ومن بينها التهديد بالاقتتال الأهلي.

كان ابراهيم حطيط من أبرز المدافعين عن التحقيق سابقًا، كناطق بإسم «لجنة أهالي ضحايا الانفجار». لم يكن حطيط مجرّد مدافع عن التحقيق، بل تحوّل إلى أحد ممثّلي قضية المرفأ وعدالتها، إلى أحد ممثّلينا، نحن الذين لم نخسر أحدًا بالانفجار إلا أنفسنا.   

ابراهيم حطيط شقيق ثروت حطيط، أحد شهداء الانفجار. وكشقيق أحد الشهداء، قطع حطيط وعدًا بإتمام العدالة. هذا الوعد كان وما زال وعدنا، وعد شقيق ثروت حطيط. 


البيئة الحاضنة

لا علاقة لحزب الله بإطلاق الرصاص على محل لبيع مستحضرات التجميل في الضاحية الجنوبية، أو بحملة قمع حسين قاووق، أو بالتهديدات التي تلقّاها لقمان سليم قبل مقتله، أو بالمظاهرات الليلية ضد برنامج فكاهي، أو باعتراضات الأهالي العفوية لليونيفيل، أو… 

فصاحب هذه الأفعال معروف وهو «البيئة»، هذا المركّب الحزبي-الإعلامي-الأهلي، الذي يراد منه تأديب كل من يعترض على الحزب، من خلال حملات قمع «عفوية» تتلطى وراء كرامة الطائفة أو إحساسها بالغبن. البيئة ليست الجماعة، هي اختراع سلطوي، يتكوّن من جيوش إلكترونية منظّمة وقافلات درّاجات موجّهة وغضب شعبي مبرمج. 

البيئة ليست الجماعة، مهما حاول الحزب المزج بينهما.  


حتدفع الثمن يا برّي

ربّما لا تزال درّاجة ابراهيم حطيط الناريّة محجوزةً في قصر عين التينة، هذه الدرّاجة التي اشتهر الناطق بإسم «لجنة أهالي ضحايا الانفجار» بركوبها إلى التظاهرات. كان حرس المجلس، أحد أعمدة البيئة الحاضنة، قد صادروها بعد اعتدائهم على تظاهرة أهالي ضحايا المرفأ قبل بضعة أشهر. ولكنّ اعتداءهم لم ينجح. فطار نصاب جلسة مجلس النوّاب التي دعا إليها برّي لنقل التحقيق إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء.

قبل هذه التظاهرة ببضعة أسابيع، كان شقيق ثروت حطيط قد أطلق تهديده الشهير لرئيس حرس المجلس:

يا عيب الشوم عليك، حتدفع الثمن يا برّي وأنا ابراهيم حطيط.

لم يعتَد برّي أن تتّم مخاطبته بهذه الطريقة، وهو الذي استطاع على مدار العقود الأخيرة أن يبقى فوق أي مساءلة أو حتى تشكيك. بدأت صورته بالانخداش مع ثورة تشرين، صورة حاول أن يرمّمها من خلال القمع والبطش. لكنّ صرخة ابراهيم حطيط هي التي قضت على الصورة وقدسيتها. برّي لم يعد زعيمًا. برّي لم يعد حتى مجرّد فاسد بين فاسدين. أصبح عرّاباً رخيصاً لعملية قتل مقزّزة شارك فيها أحد معاونيه الصغار.      

ابراهيم حطيط حجّم نبيه برّي. فردّ برّي ونصرالله بتظاهرة الطيّونة.


البيئة في وجه الطائفة

البيئة ليست الطائفة. 

  1. البيئة مشروع سلطوي، موجّه، مبرمج، مهما ادّعى «العفوية» وتلطّى وراءها.
  2. الطائفة أو الجماعة واقع اجتماعي معقّد، متحوّل، متغيّر.
  3. البيئة ليست موجّهة ضدّ أعداء الطائفة الخارجيّين، وإن كانت تعترضهم في بعض الأحيان.
  4. هي موجّهة ضد الطائفة وضد تحوّلاتها. البيئة تؤدّب الطائفة أوّلًا.

فمنذ فترة، تواجه البيئة تحوّلات اجتماعية داخلية، تأخذ أشكالًا مختلفة، منها سياسي، كالتحاق البعض بالموجة الاحتجاجية التي انطلقت أواخر العام 2019، وبعضها الآخر مرتبط بتحوّلات جندرية تأخذ «الأحوال الشخصية» كنقطة ارتكاز، أو بأساليب ترفيه، كما حدث مع حادثة محل بيع مستحضرات التجميل أو مع شعبية حسين قاووق.

البيئة ليست الطائفة، ومزجهما يتطلّب عنفًا وقمعًا، موجّهًا أوّلًا ضد الطائفة.


الفيديو

في 15 تشرين، ظهر رئيس «اللجنة التأسيسية لأهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت» في فيديو، يتراجع فيه عن مواقف الناطق بإسم «لجنة أهالي ضحايا الانفجار» الداعمة لبيطار. لم يتراجع ابراهيم حطيط عن المواقف السابقة فحسب، بل تبنّى أيضاً عبارات نصرالله وموقفه المعادي للتحقيق. كان ذلك بعد حادثة الطيّونة، وما تلاها من عودة سطوة البيئة. 

لكنّ شقيق ثروت حطيط ظهر أيضًا بالفيديو، بعَيْنَيْن تنظران إلى ما وراء الشاشة، إلى إصبع البيئة المهدِّد والمؤدِّب، إلى هذا الأصبع الذي يشير إلى طريق العودة إلى البيئة، طريق يمرّ من خلال الإذلال العلني. 

قد يكون رئيس «اللجنة التأسيسية لأهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت» عاد إلى البيئة. لكنّ شقيق ثروت حطيط لم يعد إلى أي مكان، بقي في هذا الفيديو، مسجوناً في دقائقه القليلة. كأنّ هذه المقاطع كانت وصية شهيد، يدرك أنّ لا وجود له بعد بثّها.

هذا الفيديو كان بمثابة إعلان شهادة شقيق ثروت حطيط. 


الحُكم من خلال الذنب

اعتذار ابراهيم حطيط العلني لم يكن أوّل اعتذار، وإن كان أكثرهم وطأة. فقد كثرت في الفترة الأخيرة تسجيلات مذلّة لأفراد من الطائفة، يعتذرون فيها من أمين عام حزب الله أو من بيئة المقاومة أو من شهدائها. واحداً تلو الآخر، تمّ إذلال أي معترض، مهما كان معتدلًا، في محاولة لسطوة البيئة على الطائفة. 

لا أحد يتخيّل أنّ تلك الاعتذارات تعبّر عن آراء مطلقيها. فالإكراه جزء من عملية إنتاج تلك الاعتذارات العلنية، كما الإذلال. فهي إشارة إلى قوة البيئة، القادرة على كسر أي اعتراض، باعتراف المعترض المذلول. لكن أبعد من ذلك، تفرض تلك الاعتذارات نوعًا من السطوة القائمة على الذنب، ذنب من يدرك أنّه تراجع عن موقفه، وأنّ بقاءه في البيئة مرهون بخيانة مبادئه علنًا. الاعتذار ليس برهاناً لقوة البيئة فحسب، هو دلالة على أنّ ما يجمعها هو ذنب مشترك، ذنب من يدرك أنه محكوم بالقوة، مهما كانت الشعارات رنانة.

هذا لا يعني أنّ ما من شرعية لحزب الله. لكنّ سيطرته بدأت تتحوّل، منذ فقدانه لرونقه، خاصة بعد ثورة تشرين. وإذا كانت تقنية الاعتذارات العلنية دلالة عن شيء، فهي أنّ القيّمين على البيئة فهموا أنّ الشعارات هي مجرّد دعاية خارجية، للاستهلاك العلني، لا تؤخذ على محمل الجد. أمّا معارضو ونقّاد الحزب، فقد يكونون آخر مَن يؤمن بهذه الشعارات، آخر مَن يؤمن بأنّ المقاومة أهمّ من البيئة. هم آمنوا بهذه الشعارات ليكتشفوا أنّ المطلوب هو الطاعة، وإن كانت تتناقض مع الشعارات، خاصة إن كانت تتناقض مع الشعارات.


تحيّة

رئيس «اللجنة التأسيسية لأهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت» ضحية إجرام البيئة.
الناطق بإسم «لجنة أهالي ضحايا الانفجار» ضحية إجرام الطبقة الحاكمة.
شقيق ثروت حطيط ضحية إجرام النظام.
بصفاته الثلاث، تحية إلى ابراهيم حطيط، مهما فعل.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الكنيست الإسرائيلي يقرّ ترحيل عائلات منفّذي العمليّات لمدّة 20 عاماً
إسرائيل تدمّر مبنى المنشية الأثري في بعلبك
جماهير «باريس سان جيرمان»: الحريّة لفلسطين
مطار بيروت يعمل بشكل طبيعي
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا