تعليق مصر
عبد الرحمن طارق

ردّاً على عبد الفتّاح

عن التنسيق مع إسرائيل

10 آذار 2023

لا شيء يحدث في الحياة دون سبب أو عن عبث.
لا يمكن أن يكون محض صدفة تطابق الحديث بين طرفَين في بعض الوقائع السياسية المحدّدة. الاتفاقيات المسبقة هي ما تحكم طرق طرح القضية. لكن من المهم التيقّن بأنّ أيّاً يكن شكل الاتفاقيات بين الطرفَين في هذه المسائل المحدّدة، فليس من الضرورة أن تأتي بثمارها. فلا تأتي الرياح دائماً بما تشتهي السفن.

أمس الخميس، أوضح الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، خلال فعاليّات الندوة التثقيفية الـ37 للقوات المسلحة احتفالاً بيوم الشهيد، بضعة أسرار عن التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي بشأن الوضع الأمني في سيناء عام 2011. أوضح السيسي أنه اقترح على وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة حينها المشير حسين طنطاوي، أن يتواصل مع الجانب الإسرائيلي لإيجاد حل للتوغّل من قبل الجماعات المسلحة في سيناء، ولفت السيسي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي «قبِلَ مشكوراً» أن يتم زيادة القوات المصرية في سيناء، والشيخ زويد. ووصف موقف الاحتلال الإسرائيلي بـ«التاريخي» الذي لا ينسى، وأضاف: «مستمرّون في ذلك الوضع حتّى الآن حيث زاد حجم القوات الموجودة خلال 8 و9 سنوات حتى نتمكن من التعامل مع التحديات هناك».

وبما أنّ طرفي الحديث هنا هما السيسي والجانب الإسرائيلي، فيجب إلقاء الضوء على حديث العقيد د. عيران ليرمان، نائب رئيس «معهد القدس للاستراتيجية والأمن» الإسرائيلي، الذي جاء في دراسةٍ نُشرت يوم 2 مارس 2023، عن تداعيات الأزمة المالية المصرية على المنطقة وإسرائيل.
حذّر ليرمان من أن انهيار نظام السيسي خطر على إسرائيل لذا يجب علينا إنقاذه، مؤكّداً أن «العلاقات مع السيسي هي أكثر قرباً من أي وقت مضى حتى ولو كانت مواقف مصر في الأمم المتحدة ضد إسرائيل»، واقترح على صنّاع القرار في إسرائيل السعي لاستخدام نفوذ تل أبيب على تشجيع دول الخليج للمساعدة في استقرار الاقتصاد المصري، وحشد المساعي لتوفير دعم دولي لدعم اقتصاد السيسي. كما حذّر، خلال المحادثات مع الولايات المتحدة وأوروبا، من مخاطر ما قد يحدث لمصر في حال انهيارها بفعل الاقتصاد، مقترحاً زيادة توريد الغاز من الحقول الإسرائيلية، ما يسمح لمصر بتصدير الغاز الطبيعي لدعم الاقتصاد المصري وتوسيع اتفاقية الكويز QIZ (اتفاقية المناطق الصناعية المؤهّلة)، التي تسمح للصادرات المصرية بالوصول إلى الولايات المتحدة طالما أن في المنتج المصري نسبة معينة من الخامات الإسرائيلية.

هذا التناغم بين توضيحات السيسي والاقتراحات الإسرائيلية، يؤكد أنّ لا وجود لشيءٍ كمحض صدفة، وأنّ حديث السيسي كان وفق استراتيجية محدّدة تشكّلت ملامحها في تل أبيب وسمع صوت دويّها في القاهرة.

كالعادة، لا يُمانع نظام السيسي تنفيذ أيّ مخطّط لتثبيت حكمه في البلاد، حتّى لو من خلال التعاون مع العدو التقليدي لمصر، اسرائيل، مقابل معاداته لشباب ثورة 25 يناير، من دون أن يفوّت فرصة إلّا ويشوّه فيها رموزهم ويصف فيها تحرّكاتهم على أنها سبب ضياع البلاد، منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً.


لكن دعني، سيادة الرئيس، أخبرك من هو سبب ضياع البلاد، وسبب وجود متطرّفين في سيناء، فقد عشت سنين طويلة داخل معتقلاتك مع أهالي سيناء المحبوسين ظلماً، ومع قصصهم الصادمة التي ثقبت قلبي وتركت أثراً لا يمكن أن يمحوه الزمن.

لم تكن أنت أو أجهزة دولتك تلقون بالاً بالحياة البدوية في سيناء. لم توفّروا لهم سبل الحياة. وحتّى بعد إغلاق كل قنوات الدولة القانونية هناك، وإغلاق المحاكم والنيابات وانسحاب الشرطة أثناء ثورة 25 يناير، كانوا يقيمون محاكمهم العرفية الخاصة بهم، ويُحكَم فيها وفقاً لأعرافهم، وتُطبّق أساليبهم وعاداتهم الخاصة بهم، مثل اختبار الكذب المعروف بـ«البشعة» والذي يسمح بوضع سكين ساخن على لسان المتهمين، وهو شرعي في سيناء ويُعاقَب عليه في باقي أرجاء مصر.
وكانت حياتهم هادئة. ولم نسمع بوجود متطرّفين إلّا بعد محاولة أجهزتك المخابراتية الإيقاع بين القبائل،  عبر تزويدهم بأنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة. ثم قاموا بإنشاء محاكم قائمة على «الشريعة الاسلامية»، طرَحها للتطبيق مجموعة إسلاميين في أي نزاع قائم، ما حافظ على استقرار الأوضاع بينهم. وعلى الرغم من غياب تواجد الشرطة، أو حتّى محاكم تحكم بالقانون المصري هناك، إلّا أنّهم حافظوا على تماسكهم ولم يحدث يوماً أن قام أي نزاع مسلّح بينهم أو حرب اهلية بين القبائل العربية هناك.

لكن مَن خلق المتطرّفين هناك هو قصف طائراتك الحربية لأطفالهم ونسائهم العزَّل الآمنين داخل بيوتهم، بحجة قضائك على الإرهاب. مَن خلق المتطرّفين هناك هو تهجيرك لسكّان مدينة رفح بأكملها وهدم المنازل على من رَفض أن يترك داره.

أي رد فعل تنتظر من شعبٍ قرر جيشه تهجيره؟ وعزَم على توجيه سلاحه نحوهم بدلاً من رفعه في وجه الجماعات المتطرفة الحقيقية الموجودة فى مصر والوطن العربي كله وليس سيناء فقط.

هل تعلم سيادة الرئيس أن اعتقالك أبناء سيناء والزج بهم وبالنشطاء السياسيين في نفس المعتقل، مع المقبوض عليهم من تلك الجماعات المتطرفة، يصبّ فى مصلحة الإرهاب، فيزيد عددهم؟ فاستخدام قوّاتك الشرطية أبشع أنواع التعذيب (من كهرباء واحتجاز فى أماكن ضيّقة لا تسمح حتى بالجلوس)، يُحوّل أي إنسان إلى متطرّف. ويعزّز الكراهية داخل عقله. ويجعله لا يرى طريقاً أمامه إلا حمل السلاح فى وجه معذبيه.

كان لي صديق ظللتُ معه في المعتقل هو وعدد من أفراد أسرته، وبعد فترةٍ فارقَ ابن أخيه الحياة إثر التعذيب. فتمّ إجبار باقي أفراد أسرته على توقيع ورقةٍ تقول أنّه توفيَ منتحراً، وإلّا لن يتم تسليمهم جثمانه. ألا ترى أنّه من المنطقي أن تحمل تلك الأسرة السلاح في وجهك؟

إنّ الحل الأمني المتّبع دائماً من طرفكم هو ما يخلق الإرهاب.
اترك أهل سيناء يعيشون حياتهم الهادئة.
امنع «المتابعة الأمنية» المفروضة اجبارياً عليهم، والتي تلزمهم بالذهاب إلى مقرّات الاحتجاز غير الرسمية (فروع أمن الدولة) من وقتٍ لآخر حيث يتلقّون أسوأ أنواع الإهانة.
اوقف ملاحقة النشطاء السياسيين. اجعلهم يجدون فرص عمل شريف ليستطيعوا أن يندمجوا مع المجتمع، لا كما حصل مع المعتقل شريف الروبي بعد إدّعاء الدولة خروجه في ظل حوار وطني. فقد عشت معه سنوات في المعتقل، وكان كل حلمه أن يجد فرصة عمل ويعيش حياةً طبيعية فور خروجه. ولكن للأسف، هذا كان أبعد من يده، فيد النظام الغليظة لم تسمح له إلّا  بالعودة إلى معتقلاتها.

نحن لا نحتاج شهادتك عمّا حدث عام 2011، لأنّ العالم أجمع أشاد بالثورة، ووصفوها بالثورة الشعبية النظيفة مكتملة الأركان، وقام بتحيّتها القاصي والداني.

الخلاصة أنّ الارهاب لا يأتي من جماعاتٍ فقط، بل يمكن أن يأتي من دولةٍ تظلم وتسجن وتقتل كل من له رأي مخالف لسياستها. احمِ بلدي ولا تأخذ الأمر والإذن من عدوّك الأصيل اسرائيل، لتقتل أبناء شعبك وتهجرهم. ارفع قبضتك الامنية عن الشارع، وسترى المعارضة الحقيقية لك من جموع الشعب المصري.
واعلم جيداً أن المجتمع الدولي الذي تحاول أن تخاطبه، يعلم جيداً أن خطّتك الامنية ستتسبّب في انفجارِ شعبٍ تعداده 110 ملايين. ولن يتحمّل أحد العواقب.

لا أدّعي أنّي خبير بالسياسة، لكن لديّ قلبٌ ينبض وعينٌ ترى، وقلبي يحدّثني أنّ ما يحدث من قبل القوات النظامية هو تطرّف يفوق الجماعات المتطرفة، ونهايته لن تكون سوى بثورةٍ باتت أقرب من أي وقت مضى.

آخر الأخبار

خطف, ابتزاز , تعذيب 
25-04-2024
تقرير
خطف, ابتزاز , تعذيب 
شاب سوري يروي تفاصيل جريمةٌ منظّمة
نتنياهو: الجامعات الأميركية تذكّرنا بجامعات ألمانيا النازيّة
حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024 
المخيّم الذي صار دخاناً
24-04-2024
أخبار
المخيّم الذي صار دخاناً