تقرير في زمن الانهيار
ميريام سويدان

أنسنة الأرقام أو عندما يُصبح للأزمة إسم 

12 آب 2023

أنسنة الأرقام

على وقع الأزمة الاقتصادية اللبنانية التي صنّفها البنك الدولي من الأسوأ في العالم، باتت شريحة واسعة من اللبنانيين تعيش تحت خطّ الفقر، ما جعلها عاجزةً حتّى عن توفير حاجاتها الرئيسية في بلدٍ تُلامسُ فيه نسبة البطالة عتبة الـ40%، وفق تقديرات الأمم المتّحدة، ولا يتجاوز فيه الحدّ الأدنى للأجور الـ100 دولار.

صدرت تقارير عدّة عن جهاتٍ دولية ومحليّة مُختلفة تتناول واقع الأزمة اللبنانية وانعكاساتها، تقارير تُظهر حجم الكارثة بالأرقام. يُقدر «البنك الدولي» مثلاً، أن شخصاً من كلّ خمسة أشخاص فقدَ وظيفته منذ خريف 2019، وأنّ 61% من الشركات في لبنان قلّصت عدد موظّفيها الثابتين بمعدّل 43%. ووفقَ دراسة أجرَتها «هيومن رايتس ووتش» في عام 2022، تَبيّن أنّ نحو 70% من الأسر واجهت صعوبةً في تغطية نفقاتها أو تأخّرت بشكلٍ دائم عن دفع النفقات الأساسية في العام السابق، في حين تلقّت أقل من 5% من الأسر في لبنان أحد أشكال المساعدات الحكومية. كما كشفت الدراسة أن 43% من الأسر التي شملها المسح يقضي فيها شخص بالغ يوماً كاملاً من دون تناول الطعام. ووفق مسح آخر أجرته «يونيسيف» في العام نفسه، ظهر أن 70% من الأسر تقترض المال لشراء الطعام، أو تشتريه بالدين. وقالت المنظّمة في تقريرٍ آخر إن «30% من الأطفال ناموا وبطونهم خاوية»، فيما ترك 30% من أطفال اللاجئين السوريين، أي قُرابة 200 ألف طفلٍ، تعليمَهم بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية في العام 2020.

40 %، 61 %، 30 %، 200 ألف طفل، 100 دولار… أرقامٌ تُحاول التقاط الأزمة بكليّتها، لكي تُظهر فداحة ما يجري. لكن في هذا الميل إلى تلخيص الأزمة برقمٍ، نخسر شيئاً من قدرتنا على فهم ما يجري أو على الفعل. فهذه الأرقام، مهما كانت معبّرة، تخفي عدداً من الأسئلة، قد تبدو بسيطة، ولكنّها تشكّل مدخلًا لفهم الأزمة على أرض الواقع: من هي تلك الأُسر؟ ومن هم أولئك الأطفال؟ ما هي أسماؤهم وكيف تبدو ملامحهم؟

وعليه، ستُقدّم «ميغافون» سلسلةَ تقاريرٍ مُصوَّرة من مناطق لبنانية مختلفة، تستعرض فيها كيف يعيش الناس هذه الأرقام، أو القصّة التي تُخبّئها الأرقام كمدخلٍ لفهمها. 


الأزمة كتحوّلٍ اجتماعي

بالرغم من مرارة الأزمة، وتدميرها لبُنى اجتماعية بأكملها، إلا أنّها أنتجت من بين ما أنتجته، مهناً وأعمالاً فرضتها الحاجة في الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد. كما أعادت إلى السوق مهناً أخرى كادت أن تنقرض، وفتحت للعديد من الناس فرصاً جديدة وطرقاً مبتَكرة للعمل، تناسب الأزمة وحاجات الناس فيها. لا تمثّل هذه الأعمال والمهن استغلالاً للأزمة على غرار الأسواق السوداء الناشئة، القائمة على الاحتكارات والمضاربات واستغلال معاناة الناس وحاجاتهم، مثل باعة صفائح البنزين وتجّار الدواء ومحتكري المازوت والصرّافين غير الشرعيين. كما أنّ هذا التحوّل لا يمثّل بالضرورة قدرة البعض إلى تحويل الأزمة إلى فرصة. هي أعمال أنتجتها الضرورة ولاقت رواجاً ونجحت بعدما تأقلمت مع متطلّبات المرحلة الحالية في لبنان، وباتت تُعين أصحابها أو بعض العاطلين عن العمل على تأمين مردودٍ مُساعد.

زار فريق «ميغافون» أصحاب مهنٍ كانت مهدّدة بالاندثار وانتعشَت جرّاء الأزمة، بل زاد الطلب على خدماتهم، كالإسكافي والخيّاط والنجار. وإلى جانب تلك المهن التي استعادت الحياة على وقع الأزمة، هناك مهن أخرى توسّع نطاقها بعد الأزمة، بالرغم من الطابع الرَّيعي للاقتصاد اللبناني الذي تتضاءَل قدرته على توليد فرص العمل، فتحوّلت مثلاً مطابخ المنازل إلى مساحاتٍ تحقّق مردوداً مالياً لنساءٍ عاطلات عن العمل، من خلال بيع منتجاتهنَّ الخاصّة.

قد لا يشكّل هذا ردّاً كافياً لمواجهة المعاناة التي أنتجتها الأزمة، وهو ليس بالضرورة تطوّراً قد يُقدّم حلّاً، لكنّه يُشير إلى تحوّلاتٍ في المجتمع المأزوم، من عودة لمهنٍ كانت منقرضة إلى تحوّل في نمط الاستهلاك والإنتاج. وراء رواية الأرقام الكمّية، هناك تحوّل نوعي يتطلّب البحث عن القصص التي تختبئ خلفها.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة 
21-12-2024
تقرير
«ريشة وطن»، جداريات سوريا الجديدة 
قتلى في حادث دهس لسوق ميلادي في ألمانيا
هكذا حرّر السوريّون أنفسهم من نظام الأسد
21-12-2024
تقرير
هكذا حرّر السوريّون أنفسهم من نظام الأسد
مجلس الأمن يمدّد عمل القوّات الدولية في الجولان السوري 
بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال مقابلة مع «وول ستريت جورنال»
30 جريحاً في تل أبيب بصاروخ يمني