تعليق نبيه برّي
سامر فرنجية

اعملي ياها هيك

عن شرّ يتلطّى بغباء أو غباء بات شرًّا؟

27 آذار 2023

من الصعب وصف ما جرى. فعبثيّة الواقع تجعل من الكتابة عنه، مهما كانت خيالية، كتابة باهتة لدرجة الاستحالة.

لا داعي لتكرار تسلسل الأحداث. في بلد يتفكّك تحت وطأة انهيار عملته ويتفسّخ مع انحلال مؤسساته، قرّرت رئاسة الحكومة، مجهولة الصفة بغياب رئيس للجمهورية وفي ظلّ سجال دستوري حولها، أن تتلاعب بالوقت، من دون أي تحضير أو استشارة أو مُهل. كاد البلد أن ينفجر. فتراجعت الحكومة.

والسؤال: لماذا؟


سياسة الصدمة

ربّما كان السؤال في غير مكانه. فالقرار الأخير، رغم هبله الظاهر، لا يختلف عن مقاربة السلطة للأزمة، والتي تهدف إلى سحب أو ضرب أي استقرار، مهما كان مرحليًا، يمكن أن يشكّل أرضية اعتراض أو حتى أن يؤمّن مساحة ثابتة للتأقلم مع الواقع. فبين تعاميم مصرف لبنان العشوائية، وانهيار العملة المتسارع، والإضرابات المتنقّلة للمصارف ومحطات البنزين والأفران وغيرها من المؤسسات، وتكاثر أسعار الصرف المتناقضة، وغياب أي خطة مستقبلية، وغيرها من السياسات، اتّبعت حكومات الأزمة سياسة الصدمة التي أرست حالة من الاعتباطية والتعسفية المشلّة. 


ضرب المعيار

تهدف سياسة الصدمة إلى ضرب أي معيار يمكن أن يشكّل قاسماً مشتركًا، لا سياسيًا وحسب، بل، وهذا أخطر، حياتيًا. فالمجتمعات تحتاج إلى معايير مشتركة للتواصل والتبادل والتخطيط أو حتى لتخيّل المستقبل. وهنا أيضًا، لا يبدو القرار الأخير، رغم فداحته، مخالفاً لسياق الأمور. سقطت العملة التي تشكّل معيار التبادل والتخطيط المالي. سقط القانون الذي يشكّل معيار المسموح والممنوع. سقطت المؤسسات الإدارية التي تشكّل معياراً لإدارة الحياة الجماعية. واليوم، سقط الوقت الذي يشكّل معيار أي علاقة اجتماعية. 


حصار وتفكيك

نتيجة هذه السياسة باتت واضحة. 
فرضت السلطة حصارًا على مجتمعها، بعدما قطعت علاقته مع الخارج. حصار بدأ ماليًا مع عزل الاقتصاد اللبناني عن العالم، واستمرّ إداريًا مع أزمة جوازات السفر، وقانونيًا مع تحوّل لبنان إلى دولة خارجة عن القانون الدولي. وتقنيًاً مع انهيار شبكات المواصلات. قرار الدولة أن تخرج عن «الشرعية الزمنية» من خلال اتّباع توقيتها الخاص يستكمل هذا الحصار. 
لكنّ الأخطر هو أنّ سياسات السلطة باتت تفكّك المجتمع من داخله، من خلال الفرض على الناس مسؤولية تدبير كامل أمورهم من دون أي معيار جماعي، من تأمين حاجاتهم الكهربائية والمائية، إلى تحصيل حقوقهم بنفسهم أو الدفاع عنها، إلى تحديد الساعة. وهذه المسؤوليات تولّد خلافات ونزاعات وصراعات، وهذا ربّما ما كان يريده برّي من خلال تبنّيه المسرَّب لهذه الخطوة. 


التوقيت الشتوي: سيادة الشرّ

لكنّ ما يختلف عن الماضي قد يكون هذا الفيديو المسرّب الذي يظهر، بالإضافة إلى سطوة برّي على ميقاتي، قلّة المسؤولية والكفاءة، أو حتى الغباء الذي يختبئ وراء قرار كهذا. فمن دون تفكير أو حتى نقاش، قرّر برّي أن يرمي البلد في حالة من الضياع والتخبُّط. اعملي ياها هيك… حُجّة برّي لتدمير الوقت المشترك. 
لكن ربّما كان هناك ما يراد إيصاله من خلال تسريب هذه الفضيحة، وهو بكل بساطة، أنّ السلطة بات لها كامل السيادة على حياة من بقي في هذا السجن الصغير، سيادة ليست مشروطة حتى بأبسط قوانين المنطق أو اللغة. اعملي ياها هيك اليوم عن تغيير الوقت، غدًا لا أحد يدري. هذه هي سيادة الشرّ، سيادة التحكّم بحياة وموت الناس من دون أي رادع أو حتى تبرير. 


التوقيت الصيفي: سيادة الغباء

لكن ربّما كان كل هذا التحليل مفاده الهروب من الرعب الفعلي، وهو أن ما يحكمنا ليس الشرّ، بل الغباء. فمع تراجُع الحكومة عن قرارها السابق، يتّضح أنّه بكل بساطة، هناك أغبياء باتوا يديرون بلدًا مأزومًا، يتلاعبون به حسب هواهم، يتراجعون عندما يدركون أنّهم زادوها، قبل أن يعيدوا المزحة. في وجه إمكانية غباء كهذا، نتمنى لو كانوا فاسدين وكانت لهم خطط جهنمية. فالشرّ النابع من الغباء هو شرٌّ لا حدود له. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد
مقتل باحث إسرائيلي كان يبحث عن «أرض إسرائيل» في جنوب لبنان