يوم فلكلوري طويل بدأ من أمام تمثال المغترب المشرف على مسرح جريمة انفجار مرفأ بيروت.
يوم فلكلوري طويل انتهى بالرقص على أنغام «بالروح بالدم نفديك يا نبيه» في قصر الرئاسة الثانية في عين التينة.
يوم طويل اصطدم خلاله الفلكلور بالسياسة، والمشهد بنبيه بري.
يوم فلكلوري طويل، بدأ خارج المجلس
انطلاق نواب المعارضة، أو النواب «التغييريين»، في مسيرة من أمام المرفأ إلى مجلس النواب، خطوة فلكلورية. طبعاً. توقفوا فلكلورياً في ساحة الشهداء. وبعدها في حديقة سمير قصر، فلكلورياً. ثمّ أصرّوا فلكلورياً على دخول الناس إلى ساحة النجمة. فلكلورياً أيضاً، رفعوا صورة ضحايا الانفجار تحت قبّة البرلمان. وكذلك الأمر بالنسبة للاقتراع لصالح الضحايا والشهداء والقضايا التي اختاروها. كلها خطوات فلكلورية غير مؤذية.
وصلوا إلى البرلمان اليوم من دون خطة، لا بأس. معركة الرئاسة محسومة. لكن خسروا معركة نائب الرئيس أيضًا. وخسروا معركة هيئة المكتب، التي خاضوها بفلكلورية أيضاً. الفلكلورية غير مؤذية حتى الآن، لكنّها حتماً تؤدي إلى أمراض خطيرة ومميتة على المدى الطويل. في الجلسة الأولى، نواب التغيير اشتغلوا بالفلكلور. لا بأس. يحصل ذلك في المرّة الأولى أن تكون الخطة غير واضحة والتنسيق غير مكتمل.
يوم فلكلوري طويل، بدأ بتوتّر السلطة وضياعها
وصل رمز السلطة، نبيه بري، إلى البرلمان، متوتراً. فالمشهد الخارجي والاهتمام الإعلامي بحركة النواب التغييريين، وإن كانت فلكلورية، كان له تأثيره. انتزعت مشهدية فلكلورية التغيير الاهتمام عن الفوكلورية الاعتيادية في انتخاب رئيس المجلس. فعلى عكس العادة التي درجت منذ ثلاثين عاماً، ما من نتائج محسومة هذه المرّة. بري متوتّر. فاز بصوت ضئيل. انعكس التوتّر في آلية اتخاذ القرارات.
نقرأ مضمون الأرواق البيضاء أو لا نقرأه؟
نائب الرئيس يُنتخب؟
هيئة المكتب تُنتخب؟
ننتخبهما بحسب الانتماء المذهبي؟
لا نعرف، فلم يحصل هذا الأمر قبل اليوم. لم يحصل هذا الأمر منذ تولّي بري الرئاسة. خبرة ثلاثين سنة من العمل بالتزكية وإعداد التسويات، لم تعد تنفع. هيبة ثلاثين سنة من سياسة التوافق وتدوير الزوايا مهدّدة بالسقوط. بري ضائع من دون عدّة شغله، من دون أكثرية ومعارضة مختلطة في حبال التسويات والتفاهمات. ساد التوتّر.
يوم فلكلوري طويل، انتُخب فيه نبيه بري مجدداً
نجح الفلكلور التغييري في إرباك السلطة، لكن لبضع ساعات فقط.
للمرة السابعة على التوالي، يتمّ انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب. قدر، لا مهرب منه، فلا نائب شيعياً خارج الثنائي، سوى واحد، جميل السيّد. فكان الخيار الوحيد المتاح للمعارضة هو بين جملة من القضايا الإنسانية والأخلاقية والسياسية، تراوحت بين ضحايا الانفجار وزوارق الموت وبلطجة حرس المجلس والاغتيال السياسي المتمثّل بلقمان سليم والعدالة وحقوق النساء. انتخاب برّي في وجه فلكلور تغييري.
السلطة نجحت في توصيل مرشّحها للرئاسة، لنائب الرئاسة، ولهيئة مكتب المجلس. اشتغلت السلطة سياسة ومن ثمّ انصرفت إلى الفلكلور.
يوم فلكلوري طويل، انتهى بمشهدية عين التينة
رغم التوتّر نجحت السلطة في انتخابات أمس. هضمت التوتّر، وانقضّت للسيطرة أيضاً على المشهد الفلكلوري. لنا السلطة، ونتائج الانتخابات، ورئاسة المجلس ونائبها وهيئة المكتب. لكن لنا أيضاً الاحتفال الفلكلوري في عين التينة. لن تتخلّى عن الصورة لصالح التغييريين ومن معهم. فكان الاحتفال وإطلاق النار في الهواء والطبل والزمر. بلطجيون وشبيحة وعناصر ميليشيوية، باقون خلف قائدهم وطائفتهم ومذهبهم. حيث همّ، يصطفّون في مواجهة الناس أينما وُجدوا. في مواقعهم، دفاعاً عن تحالفات وتسويات على حساب الناس والدولة. وراء متاريسهم، يطلقون النار، أو يناشدون بالدولة المدنية وإسقاط الطائفية حين يُطلب منهم ذلك. في وظائفهم، يتقاضون من جيوبنا لقمعنا وإفلاس الدولة. فلكلور السلطة نجح أيضاً، ولو أنّ الفوز هزيل.
يوم فلكلوري طويل، جمع نقيضَيْن
في مسيرة المرفأ، بكاء وصراخ وقهر. في احتفال عين التينة، فرح وغناء ونشوة.
في الأولى، ناس طبيعيون يسألون عن مطرقة القضاء. في الثانية، ميليشيا لا تعرف سوى مطرقة رئيس المجلس.
في الأولى، تحرّك مدنيّ يطمح إلى تغيير. في الثانية، بزّات مرقّطة وبوطات عسكرية.
في الأولى، ضحايا. في الثانية، قَتَلة.
في الأولى، تجمّع من دون خطط ولا آليات. في الثانية، منظومة متجذّرة تعرف من أين يؤكل الكتف.
في الأولى، ضياع ربّما مفهوم. في الثانية، تفاهمات وتسويات من تحت الطاولة وفوقها.
يوم فلكلوري طويل، فرز مجدداً المشهد بين ناس وسلطة. في الفلكلور أيضاً، أبيض أو أسود.