تعليق أحمد الشرع
صهيب أيّوب

الترامبيّة والشرع

سياسات الذكورة والصفقة

13 تشرين الثاني 2025

تحمل زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن واللقاء مع دونالد ترامب دلالات سياسيّة عديدة، لكنّها تحمل أيضاً دلالات رمزية تغذّيها السمات المشتركة بين الشرع والترامبيّة السياسيّة.

في الخطاب الترامبي، هناك أمّة مهدّدة وزعيم مخلّص. خطاب أحمد الشرع يسير في الاتجاه نفسه، وإن ضمن لغة أكثر محلية وعسكرية. إذ يقدم نفسه ممثلاً للشعب الذي قاتل ضد حكم الأسد، في مواجهة بقايا النظام القديم، ويوظّف المظلومية الوطنية والاجتماعية لتبرير سياسة مركزية صارمة، ويُشيطِن الخصوم باعتبارهم معرقلين أو تابعين للخارج، ويعيد تشكيل الخطاب الوطني على أساس هويّاتي لا سياسيّ. الترامبية وسياسة الشرع تتقاطعان في الأساس النفسي ذاته: الخوف من الفوضى والرغبة باليقين.

شرعية الانتصار

تعيد الترامبية تعريف السياسة بوصفها مسرحاً شعوريًا أكثر منها إدارة عقلانية. هي عودة الغريزة إلى مركز القرار، وتحوُّل الزعيم إلى الممثل الوحيد لإرادة الأمة. في السياق السوري، يظهر أحمد الشرع بوصفه إحدى أكثر التجارب قرباً من هذا النموذج، وإن اختلفت السياقات. الشرع لم يصعد من مؤسسات الدولة، بل من الميدان العسكري والسياسي الذي نشأ في قلب الحرب. شرعيّته ليست قانونية ولا انتخابية، بل مكتسبة من القوة والانتصار. وهي شرعية الترامبية في جوهرها. السلطة تأتي ممّن يملك القدرة على فرض النظام حين يعجز الآخرون. وبعد سنوات من الفوضى والعنف، نجح الشرع في تقديم نفسه كقائد حاسم، لا كسياسي توافقي. ومثلما قدّم ترامب نفسه كمخلّص لأميركا من نخب واشنطن، قدّم الشرع نفسه كمنقذ سوريا من نخب النظام القديم والمعارضة الخارجية معاً. كلاهما يستثمر لحظة انهيار الثقة بالمؤسسات.

الشعبويّة كأداة للسيطرة

الشعبوية، في جوهرها، ليست أيديولوجيا، بل طريقة في مخاطبة الجمهور. يستخدمها الشرع كما استخدمها ترامب لتجاوز المؤسسات وإقامة علاقة مباشرة بين الزعيم والشعب. هذه العلاقة تتغذّى على خطاب المظلومية والانقسام. خاطب ترامب الفئة المنسيّة في أميركا، والشرع يخاطب الفئة المقاتلة التي ترى نفسها ضحية الاستبداد والخذلان الدولي. الخطاب هنا يعمل كأداة تحشيد واستبعاد في آن واحد. كل من لا يؤمن بالسردية الرسمية يُعتبر جزءاً من المؤامرة أو النخبة الفاسدة. وهكذا تتكون دائرة مغلقة من الولاء تُختزَل فيها الدولة إلى صوت واحد ورمز واحد وسردية واحدة.

الدبلوماسيّة الصفقيّة

ألغى ترامب فكرة السياسة الخارجية ذات المبادئ لصالح منطق الصفقة. وتقوم دبلوماسيته الخارجية على معادلة رجل الأعمال لا رجل الدولة. والشرع، اليوم، يعيد إنتاج هذا النمط في سياق سوري. فزيارته إلى واشنطن هي أشبه بإعلان عن تبنّي الدبلوماسية كصفقة لا كتحالف. خطابه في لقاءاته يركز على الاستقرار والأمن ومحاربة الإرهاب، لا على العدالة أو الديموقراطية. يقدّم نفسه كشريك يمكن التفاهم معه عملياً، لا كممثل لمشروع أيديولوجي. يفاوض الغرب بلغة المصلحة المتبادلة: أمن مقابل دعم، وشرعية مقابل اعتراف. وهذا هو جوهر الترامبية في السياسة الخارجية، في تحويل العلاقات الدولية إلى بازار للمقايضة لا ميثاقاً للقِيَم.

الذكوريّة السياسيّة

الذكوريّة السياسيّة ليست مجرّد حضور رجال في السلطة، بل نظام رمزي يعيد ترتيب القِيَم حول مفاهيم مثل السيطرة والصلابة والعقاب. في هذا النظام، يُعاد إنتاج الزعيم كرجل خارق للجنس السياسي العادي. نصف عسكري ونصف أب. استخدم ترامب جسده ولغته ونبرته كجزء من خطاب الهيمنة: حركات اليد، النظرات المباشرة، الازدراء العلني لخصومه، كلها كانت أدوات مسرحية لتجسيد الرجولة. وفي سوريا، يتكرر هذا النمط عبر لغة أحمد الشرع الجسدية والخطابية. يجلس كقائد ميداني لا كسياسي بيروقراطي. يتحدّث بضمير الجمع: نحن الذين قاتلنا، رابطاً بين الجسد المقاتل والجسد الوطني. يقدّم نفسه كأب جديد للبلاد يعيد النظام بعد فوضى الأب القديم. بهذا، تتحوّل الذكورية من خاصية جندرية إلى بنية رمزية للسلطة. الحاكم هو من يملك السيطرة على جسده وعلى أجساد الآخرين، ومن يفرض النظام كما يفرض الأب سلطته داخل البيت.

المَسرحَة الأبويّة

الترامبية ليست مجرد سياسة شعبوية، بل هي أيضاً عرض مستمرّ للرجولة. الزعيم الترامبي يظهر قوته في كل حركة. يصرخ ويهين ويهاجم ويهدّد. إنها سياسة مبنية على الغريزة لا على الحوار. على الغضب لا على النقاش. عند أحمد الشرع، يتجلّى هذا النمط في صورة القائد الذي لا يخاف والذي يتعامل مع الخطر كدليل شرعية، ومع العنف كضرورة أخلاقية. في خطاباته، يربط بين القوة والسيادة، بين الرجولة والانتصار. وفي كل ذلك، هناك صدى واضح للترامبية في شكلها المسرحي. الرجولة هنا ليست جنسية فقط، بل رمزية. هي القدرة على الحسم في وجه الضعف وامتلاك الحقيقة في وجه التعدّد وفرض النظام على الفوضى. في خطاب الشرع، كما في خطاب ترامب، الجسد هو السياسة. إنهما يقدّمان نفسيهما كأجساد تتكلّم، لا كأفكار تُناقش. من خلال هذا الترميز، يعاد رسم حدود الأمة على جسد الزعيم. تختفي الدولة كمؤسسة قانونية، وتظهر كامتداد عضوي لقوّة الفرد. 

لغة القوّة

يستخدم أحمد الشرع لغةً مشابهةً للترامبية الاقتصادية وبنفس كلماتها. «إعادة الصناعة»، «الاستثمار»، «فتح السوق»، ولكن بمنطق الكرامة الوطنية. كل مشروع إعمار هو عرض جديد للقوة، وكل نجاح اقتصادي يُقدَّم كدليل على صلابة الزعيم، لا كثمار لمؤسسات الدولة. وهنا تلتقي الترامبية الاقتصادية والذكورية السياسية السورية في نقطة واحدة: تحويل الاقتصاد إلى مسرح للهيمنة الرمزية، حيث يصبح المال امتدادًا للرجولة لا للمواطنة. 

كلّ ما سبق يغذّي في النهاية ما يمكن تسميته بالفاشية العاطفية. تُبنى السياسة على الخوف والولاء والانفعال لا على التعدد والمؤسسات. الزعيم يخلق أعداء دائمين لتغذية شعوره بالبطولة. وكلما تضخّم جسده الرمزي، تقلّصت مساحة المجتمع. الترامبية هي محاولة لتأميم العاطفة في الديموقراطية الأميركية، أما بحالة أحمد الشرع، فهي محاولة لتأميم الرجولة في مجتمع خرج من الحرب. أن تكون رجلًا يعني أن تؤمن بالقائد وأن تثق بالقوّة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً