تعليق أحمد الشرع
عمّار ديّوب

الشرع في البيت الأبيض 

12 تشرين الثاني 2025

منذ دخول أحمد الشرع إلى دمشق، تبنّى سياسة تصفير المشكلات مع الخارج، وتجاوز موقف نظام بشار الأسد الحامي، كما أبيه، لحدود الدولة الصهيونية، إلى الكلام عن إقامة علاقات طبيعية معها. ولم يتبنَّ موقفاً جذرياً أو صلباً تجاه إعادة الجولان المحتلّ أو إعادة القوات الصهيونية إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، علماً أنّ هذه القوات استَغلّت وصول هيئة تحرير الشام للحكم لتدمّر البنية العسكرية للجيش السوري، التي لن تستطيع سوريا تعويضها لعقود مستقبلية. يضع ذلك سوريا في موقع هشّ للغاية تجاه قدرتها على التفاوض بخصوص الجولان أو الاتفاق الأمني مع إسرائيل بخصوص الجنوب السوري؛ وهذا موضوع حثَّ ترامب الشرع على السير فيه في واشنطن، وكذلك منذ اللقاء الأول في الرياض، وبالتوافق مع تركيا، حيث حضر وزير خارجيتها، وأصبح دوره مع وزير الخارجية الأميركي أساسياً في كل ما يخص السياسة العامة لسلطة الشرع.


تتلاقى الإدارة الأميركية مع سياسات الدولة الصهيونية في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط التي يُكثِر الحديث عنها نتنياهو، والأدقّ، الكلام عن مشروعٍ أميركيٍّ لإعادة تشكيل هذا الشرق. تحقق منه قدر كبير مع انهيار محور إيران، وفشل حماس في تغيير الوضع الفلسطيني لصالح الفلسطينيين، وتراجع قوة حزب الله، وتلاشي نظام الأسد الذي كان مركزياً في المحور السابق وفي تأمين الإمداد لحزب الله وللوجود الإيراني في محيط الدولة الصهيونية. يمكن قراءة السياسة الأميركية هذه في إطار بناء تحالفات جديدة مع تركيا والخليج، وتحديداً السعودية، في مواجهة التمدّد الصيني إلى المنطقة؛ سلطة أحمد الشرع مفيدة للغاية للسياسة الأميركية، وهذا أحد أسباب دعمها وشرعنتها أميركيّاً عبر مجلس الأمن الدولي وزيارة البيت الأبيض. 


إن دخول سلطة الشرع ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، يُشرّع الوجود الأميركي الذي يقود هذا التحالف، ويجعل من سوريا مركزاً أمنياً بامتياز، ولمراقبة تحرّكات كل الوضع الأمني في المنطقة. القضية لا تُختصَر إذاً بأنّ نظام دمشق أصبح ضمن التحالف هذا؛ فالتحالف يعمل في سوريا منذ 2014 ولم يتوقف عن ملاحقة داعش أو أية شخصيات إرهابية أخرى، وفي هذا ينطرح سؤال جادّ: هل تتمتع قوات الشرع الأمنية أو العسكرية بالمصداقية لدى الأميركان أو الدولة الصهيونية لتحارب فعلاً المنظمات الإرهابية، سيما وأن الكثير من فصائل وكوادر الجيش السوري والأمن متهمة بوجود عناصر إرهابية فيها، وفيها قيادات موصومة بالإرهاب، ومنها قيادات أجنبية تترأس الفرقتين 86، و82، وتطالب الكثير من دول العالم تسليمها إياها أو محاكمتها في سوريا؟ بدخول سلطة دمشق بالتحالف الدولي، يمكن محاكمة الكثير منها وسجنها في سوريا كذلك. هناك الكثير من التغيير الذي ستُطالب به سلطة دمشق لتصبح معتمَدة في إطار التحالف ومحاربة الارهاب. يخطئ كل تحليل يعتقد أنّ مهمة قسد وجيش سوريا الآن انتهت. فقد كلّف ترامب وزير خارجيته مع الوزير التركي والشيباني على تطبيق بيان 10 آذار، وهناك تأكيد على وحدة سوريا ودعم السلطة، ولكن ذلك لن يأتي على حساب تفكيك قسد أو تهميشها في المرحلة الحالية.


لقد بدأت بالشهر الأخير قيادة قوات التحالف الدولي بزياراتٍ لمواقع عسكرية عديدة، ومنها مطارات عسكرية لإنشاء قاعدة عسكرية قريبة من دمشق. ستكون وظيفتها المراقبة الأمنية لكل ما يجري في الجنوب السوري، ولمراقبة الحدود، بدءاً من إيران ومروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وبما يضمن سحق أية إمكانية لإعادة تشكيل المحور الإيراني، وبالوقت ذاته مراقبة التحركات الأمنية للجيش وللأمن السوري. وربما ستساعد هذه القاعدة في تحقيق الشعور بالأمان لكلٍّ من الدولة الصهيونية ونظام دمشق، وتسهّل للأخير قبوله بإخلاء الجنوب السوري من التواجد العسكري في كل من محافظة القنيطرة ودرعا والسويداء. نوقش هذا الأمر كثيراً، ولكن شكّل غياب لقاء صحفي مشترك بنهاية زيارة الشرع مع ترامب سبباً للقول بعدم وجود هكذا قاعدة جديدة، بينما تؤكد الكثير من التقارير الصحفية وجودها، وأن الأمر أصبح حقيقة وإن كانت دمشق ما زالت تنفي ذلك. هناك تفسير للنفي ينطلق من صعوبات يواجهها الشرع تجاه إقناع الفصائل العسكرية التابعة له بضرورة ذلك! والسؤال كيف سيحاربها إذاً؟


إنّ لقاء الشرع ترامب في البيت الأبيض ما كان ليتمّ لولا الاحتضان التركي والسعودي والقطري، وأضاف ترامب أن نتنياهو حثَّ على الأمر! وهذا له ثمن كبير في تبعية السلطة السورية لهذه البلدان، ولا سيما تركيا والسعودية. إن الحضور الأميركي في سوريا، وبعد شرعنته عبر التوقيع على معاهدة التحالف ضد الإرهاب، يعني أن المصالح التركية والسعودية والقطرية والصهيونية في سوريا ستمرّ عبر الموافقة الأميركية، ولصالح أميركا أولاً، وبما يتفق مع مصالح الدولة الصهيونية. وبالتالي، ربما كانت خطوة دخول سوريا هذه ستسرّع العلاقات الإسرائيلية مع تركيا والسعودية. الأكيد أنّ هذه العلاقات ستتقارب أكثر فأكثر (كان هناك صدام بين الدولة الصهيونية وتركيا بخصوص سوريا) في رسم مستقبل السلطة السورية، وستخضع الأخيرة للشروط الإقليمية، وليس الأميركية فقط، وهذا سيضع أمامها الكثير من التعقيدات والهشاشة، فهي ليست مؤهلة لمواجهة تحديات كهذه، لا سيما شخصياتها القادمة من هيئة تحرير الشام، وبالتالي، ستضطر إلى الانفتاح على الخبرات السورية، أو «تبيع» وتتنازل عن المصالح السورية والسوريين لتصبح شرعية، وهو ما تفعله حتى الآن. ولكن تعقيدات الوضع السوري المتأزم، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، تجعل السلطة أكثر ضعفاً، وربما يفتح ذلك على تغييرات كبرى فيها، وربما لها. إن الدخول بالتحالف الدولي، وظيفته سحق الفصائل الجهادية (غير داعش) التابعة للشرع ولا سيما الأجانب منها، وبدأت التقارير تتحدث عن تدريب آلاف الجنود والضباط السوريين في الأردن من قبل القوات الأميركية، ليحلّوا مكان هيئة تحرير الشام.

كان اللقاء أقرب للبروتوكولي، والتعارف العميق، وكان لعشرين دقيقة، ثمّ امتدّ لنحو ساعتين، ولكن لم يصدر عنه موجز صحافي، لا بيان ولا تصريح. إذاً، هناك تعقيدات تتعلق بكل القضايا التي جرى فيها النقاش (الأمن في المنطقة، محاربة الإرهاب، إنهاء المحور الإيراني، أوضاع الأقليات)، وتتطلب لقاءات جديدة بقصد حسم مسألة العلاقة مع الدولة الصهيونية، وتحقيق الشروط الأميركية لرفع العقوبات، والتي جُمدت لـ180 يوماً من جديد، ولم يُرفَع قانون قيصر. إن الإبقاء على هذا القانون، يعني عدم فتح السوق السورية للاستثمارات، وعدم تشغيل برنامج سويفت للتبادل المالي عالمياً، والاستمرار بتقييد حرية التجارة العالمية، وبالتالي، ليس هناك أهمية اقتصادية للسماح بتصدير بعض السلع الأميركية إلى سوريا أو تخفيض الجمارك على السلع السورية للسوق الأميركية؛ فسوريا مدمّرة، وتكاليف الإنتاج هائلة، إضافةً إلى غياب الاستقرار الأمني.


حقّق الشرع نتائج خاصّةً به وبوزير داخليّته، فقد رُفع اسماهما من قوائم الإرهاب الدولية، ولكنّ كافة قيادات هيئة تحرير الشام، التي هي أساسية في سلطته، لا تزال مصنفة كإرهابية، ولا تزال الدولة السورية مصنفة كإرهابية! والآن، ومع توقيعه على معاهدة محاربة الإرهاب، سيكون مضطراً لمحاربة تلك القيادات، وقبل ذلك إبعادها من جيشه وأمنه؛ فهل سيستطيع؟ 


هناك خلاف بين الساسة الأميركان تجاه الشرع وسلطته، وهناك تيار رافض لهما، ولا يزال يصنفه إرهابياً، وهذا أحد أسباب عدم رفع قانون قيصر والشك به. إنّ رفع الاسم وزيارة البيت الأبيض وفتح السفارة في واشنطن ليست بلا شروط، بل ربما كانت هناك شروط سرية لا نعلم عنها شيئاً، لحساسية العلاقة مع الفصائل جهادية، وبعضها ضمن جيش الشرع! التعقيد الأكبر هو كيف سيغيّر الشرع توجهات سلطته، كطرد القيادات الأجنبية من الجيش، تشكيل حكومة شاملة وتعددية، استيعاب قسد في الجيش، الاعتراف بالحكم الذاتي في السويداء، اتفاق أمني مع الدولة الصهيونية وبشروط الأخيرة؟ 


الرجل الذي كان إرهابياً، ولم تقتله الطائرات الأميركية، هل سيكون حليفاً قوياً في محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن والسلام والحريات في المنطقة وفي سوريا؟ ذاك هو السؤال في العالم الآن.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً