قضية الأسبوع 3 سنين على 4 آب
ميغافون ㅤ

العدالة كفجوةٍ في الحاضر

5 آب 2023

3 سنوات

لم نعد نتذكر بعد ظهر ذلك النهار. 
لم نعد نتذكر هذا الصوت العميق الذي دام لثوانٍ أو دقائق، أو الانفجار الأوّل الذي أنقذ حياة العديدين، أو الثاني الذي فتك فينا من كل الجهات، أو صوت الزجاج الذي ما زال يرافقنا. لم نعد نتذكر صور ذاك اليوم، أو تلك الغيمة ولونها الأحمر أو البرتقالي، ورائحتها التي قيل وقتها إنّها قد تكون مضرّة. لم نعد نتذكر الدقائق أو الساعات التي تلت «الحادثة» حيث باتت أجسادنا ترتطم ببعضها بعضاً بالمدينة، بحثًا عن أجساد أخرى أو جثث أو أشلاء، غير مدركة ما جرى. لم نعد نتذكر النظرات الفارغة التي تحدّق بأفق بعيد، مدركة بأنّ لا عودة عمّا حدث. لم نعد نتذكر من كان يعلم.

لم نعد نتذكر شيئًا، ليس فقط لأنّ هذا النهار بات مطموسًا تحت كمٍّ لا يحصى من الصدمات والضربات أو لكون «مؤامرة الصمت» نجحت بإخراجه من ذاكرتنا. لم نعد نتذكره لأنّ «الحادثة» خرجت من عالم الاستذكار والنسيان، وباتت جزءاً لا يتجزّأ من نظامنا العصبي الجماعي. «4 آب» لم تعد حادثة وقعت بنا، بل باتت جزءاً منّا، تُحرّكنا من حيث لا ندري، تُقطّعنا، تفاجئنا مهما حاولنا نسيانها. وعند كلّ ذكرى، مهما حاولنا مقاومة طقوس الاستذكار، نعود وننظر إلى الأفق بنظرات فارغة للحظات قبل أن نستشعر أنّنا مهما حدث، ما زلنا شظايا 4 آب.


بعد الانفجار، كلّ شيء بات متاحًا

ربّما لن نستطيع النسيان، لأنّهم (وسنبقى متمسكين بثنائية هم ونحن، مهما تغيّرت معانيها أو تعريفاتها)، ورغم سياسة النسيان المعتمدة منذ انتهاء الحرب الأهلية، لم يكفّوا عن تذكيرنا بهذا النهار ودروسه. من دعاوى كف اليد المتكرّرة وسياسات طمس الحقيقة والانقلاب على التحقيق واشتباكات الطيونة وخطابات التخوين ومحاولات ردم الأهراءات، بات هناك برنامج رسمي لاستذكار 4 آب، مفاده أنّ لا معنى لما حدث. 

لا معنى لما حدث، هذه أهمية الحدث لهم. فهم، كما نحن، يرون أن «4 آب» لحظة تحوّل، ما قبلها ليس كما بعدها. بالنسبة لهم، ما بعد «4 آب» يعني أنّ كل شيء بات متاحًا. إذا مرّت هذه الجريمة من دون عقاب، فلن تبقى حدود لإجرامهم وصفقاتهم وحكمهم ونظامهم. هذا هو تحدّي «4 آب» بالنسبة لهم. نقول «إذا»، ولكن يبدو أنّهم نجحوا، نجح «الوقحون» بأن يقولوا: 

نستطيع تفجير المدينة والعودة إلى حياتنا وكأنّ شيئاً لم يكن. فهذه البلاد أصبحت بلادنا بعد هذا النهار، وسنفعل فيها ما يحلو لنا. سنحكمها كأرض خراب، سنوزّع الخسائر كما نريد، سنقتل من لا يليق بعاداتنا، سنغيّر الساعة إذا أردنا. إنّها أرضنا، وأنتم مجرّد شظايا فيها. 


أهالي ضحايا وقاضٍ معزول وجهازٌ عصبيّ مقاوم

في وجه هذا النظام، لم يبقَ الكثير. أهالي ضحايا يواجهون عزّلَ منظومة اللاعدالة، لينضمّوا إلى جانب أهالي المخطوفين، كمن ليس بوسعه إلّا أن يستمرّ. قاضٍ معزول أيضًا في منزله، محاط بدعاوى وتهديدات، ينتظر من «يقبعه»، ولا مجال لعودته إلى الوراء. وجهاز عصبي جماعي، تأسّس بهذه اللحظة، لا يمكن له العودة إلى ما قبلها. ربّما ليس هذا الكثير، ولا يمكن بناء مشروع سياسي من حوله. لكنّه كافٍ لكي يبقى الحاضر غير مكتمل، غير قادر على طرد «4 آب» من داخله، حاضر ستبقى هذه اللحظات تسكنه مهما حاول البعض عزلها وطمسها تحت المؤثّرات البصرية. ربّما لم يعد للعدالة اليوم مكان في نظام قضائي مهترئ عاجز حتى عن إصدار ورقة قرار اتّهامي يدين السلطة ولو معنوياً. تبدو العدالة فقط في هذه الفجوة المفتوحة بالحاضر، والتي تذكرنا بأنّه يومًا ما، قبل ثلاث سنوات، شيء ما حصل هنا.  

فما تواجهه ذكرى «4 آب» اليوم ليس فقط برنامج السلطة لمحو العدالة أو تراكم الضربات والصدمات، بل الزمن وعودة الحياة الطبيعية إليه. جهازنا العصبي ربّما ما زال هناك، عالقاً في تلك الدقائق من العام 2020، ونظامنا الأخلاقي انهار بعد سنوات من الوقاحة واللاعدالة، لكنّ الحياة تستمر، مهما قاومنا هذه العودة، تستمر لأنّ عليها أن تستمر. مع ذنب، مع غضب، مع تهرّب وتجاهل، لكنّها تستمر. وعلينا تقبّل هذا الانفصام، انفصام من يدرك أنه بات عليه أن ينظر إلى الجريمة ويبعد نظره عنها لكي يستمر. ربّما ليس علينا مقاومة هذا الانفصام بل التمسّك به كآخر معقل للعدالة، لكي نقول إنّنا نحن أيضًا سنبقى غير مكتملين.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
شهيدان في غارة إسرائيلية على شاطئ صور  
إسرائيل ترتكب مجزرةً في منطقة البسطا
62 شهيداً في عدوان الخميس 21 تشرين الثاني 2024
غارة إسرائيلية تقتل علي علام، مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 22/11/2024