تحليل أبويّة وذكورية
صهيب أيّوب

المرأة والخراب في عقل جبران باسيل

29 تموز 2020

لبنان متل مرا حلوة، بس مبخوش وجّا

جبران باسيل

 

القبح لا حدود له، حيث أنّه أكثر تعقيداً، وتنوّعاً وإمتاعاً

إمبرتو إيكو

 

يتحدّث جبران باسيل عن البخش كتشويه ومثال عن القبح. يستعيره كي يذمّ النساء اللواتي لا تندرج مواصفاتهن الفيزيولوجية ضمن معايير الرجل. أولئك اللواتي لا يتشابهن في لاوعيه بالكمال والمثالية والجمال المطلق. ربما على طريقة نادر صعب في هندسة مطلقة للوجه المحدب والشفاه المنفوخة. تلك الوجوه التي لا بخش فيها.

يذمّ باسيل المرأة التي لا تأتي صورها المنطوقة من باطن رأسه. وأيّ امرأة لا يتمتّع وجهها بالكمال المألوف، فهي لا بدّ مذمومة. كريهة. بشعة. وتستحقّ استخدامها في القياس والمقارنة مع أحوال البلد وجثّته التي يتصارع باسيل وصحبه على تناتشها.

يجعل باسيل جملته واضحة ومفهومة ولا تحتاج الى أي تأويل، آتية من مكانها الآلي والميكانيكي، من عقله. ذاك العقل الكامن في ذكوريته وتأليهه المعياري الذكوري والصفات المؤسّساتية التي تُعلي من مفهوم الجمال على القبح، باعتبار الأخير مضادّاً لها أو مشوِّهاً للجمال المألوف والمستدرك والحسّي.

فهو يخاطب خلفيّته السياسية أوّلاً، في جعل هذه المرأة أداةً للاستعارة والتمايز، والمقاربة لتشخيص أحوال دولة مهترئة ومنهارة وفاسدة. ذلك أنّ الفرد العوني كارهٌ في الأصل، أي أنه يكره الآخر، وانعزاليّ يحبّ قومه ويعزّز أفكارهم ومعتقداتهم وتثيره أحلام العهد ولو على أطلال الهدم والعتمة والموت. وكأنّ المرأة في اللاوعي الباسيلي هي الخراب.

يخاطب باسيل، ثانياً، وعياً لبنانياً يُعدّ النساء السوداوات مثلاً، خادمات وبشعات، لأنّ عرقهنّ لا يتساوى مع العرق اللبناني وألوانه الحنطية المائلة إلى البياض. ذلك العرق الذي يكره النساء غير المتبرّجات، باعتبار ذلك ينتقص من أنوثتهنّ، أو البنات اللواتي لا يصفّفن شعرهنّ كلّ يوم عند طوني مندلق ورفاقه. كأنّه على المرأة أن لا يكون لديها بخوش وأخاديد في وجهها، وأن تكون مرتّبة وجاهزة كي ينظر الرجال إليها ويتمتّعوا بمشروع الرغبة بها. كأداة للإغواء. ووفقاً لهذه العقلية اللبنانية التي نعرفها من التلفزيون ودعايات الاستهلاك ولغة الصحافة الفنية، تبدو أيّ امرأة عادية، متعبة، تعمل بأربعة دوامات وتركض ليل نهار، وتدرس وتنتج، ولا تنتمي إلى الصالونات، امرأةً محتقرة.

يعاير ما تفوّه به أو بصقه (لا فرق) جبران باسيل وجه المرأة غير المتناسق مع المألوف ضمن معايير جندرية وخلقية ماضوية. يساويها بالمزابل المنتشرة في بيروت، والظلمة الغارقة في المناطق، والتلوّث القائم على الشواطئ، والدمار اللاحق بصخور الجبال، والفساد المقيم في كل مؤسسة وإدارة رسمية وغير رسمية. أي يساويها بما أنتجه عهده وأزلام الفساد فيه وأحزاب لبنان الذين توارثوا السلطة.

لهذه الاستعارة الساذجة المستخدمة باسيلياً، أصولها. فهي مألوفة. متجذّرة ومتوارثة. وتمثّل استعادتها الفهم الواقعيّ لما تعمل عليه هذه الحكومة وأحزابها من أدلجة السائد العنيف، العنصري، الذكوري، الطبقي. وهي بصفاتها هذه، تعتمد خطاباً (جمعياً وفردياً)، يُشَرْعِن العنف بكلّ أشكاله. من العنف ضدّ اللاجئين، باعتبارهم مسؤولين عن العجز والانهيار، وضد النساء باعتبارهنّ قبيحات، ومن الفقراء باعتبارهم مخرِّبين، ومن أبناء الريف باعتبارهم وضيعين، ومن المثليين والمثليات والعابرين والعابرات جندرياً باعتبارهم/نّ عاهات مشوّهة تستحقّ النبذ والسخرية والقتل.

خطاب باسيل البطركي يطبّع العنف ضد القبح، مثلما يحاول إعلاميّون أن يعتبروا من يشتم السياسيين المصابين بالكورونا، بأنّهم حمقى ولا أخلاق عندهم. فهذه هي المنظومة نفسها التي تعيد إنتاج خطابها في المناهج الدراسية وضمن المؤسّسات الثقافية والإعلامية، باعتبارها أصل النسخة ولغتها الأولى القائمة على «عنف المقياس». من لا يشبه ما نعرفه ونريده، فهو قبيح وبشع ومذلول، ويستحقّ بالتالي أن نماثله بزبالة البلد وتلوّثه، وأن نجعل بخشه عورة أمامنا.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
Styria «ستاند أب كوميدي» في دمشق
28-12-2024
تقرير
Styria «ستاند أب كوميدي» في دمشق
حماة تردّ الجميل: تكريم الطيار رغيد الططري
وقفة في دمشق للبحث عن مصير المخفيين قسراً
سقوط الخوف
وفاة الطبيب أحمد الزهارنة في خان يونس بسبب البرد
إخلاء مستشفى كمال عدوان بعد إحراقه