تحتجز المصارف معاشات ومدّخرات الناس، وتبتزّهم ببعض الدولارات. رسالتها واضحة: الانهيار الاقتصادي كارثة على الجميع، فادفعوا الثمن وتحمّلوا أنّ كبار المودعين هرّبوا بعض أموالهم.
تحتجز جماعة السلاح الناس في الساحات، وتبتزّهم بالسلم الأهلي. رسالتها واضحة: انهيار السلم الأهلي كارثة على الجميع، فاسكتوا وتحمّلوا أن البعض يستفيد من سطوة السلاح.
تحتجز السلطة مستقبل البلاد، وتبتزّ الناس بانهيار الدولة. رسالتها واضحة: انهيار الدولة كارثة على الجميع، فعودوا إلى ما تبقّى من أشغالكم، وتحمّلوا أن السلطة لن تتغيّر.
لم يعُد أمام السلطة إلا الابتزاز كسلاح في وجه الثورة، ابتزاز مفاده أنّ الحالة كارثية، ولكن قد تسوء أكثر إن مضيتُم بثورتكم.
البارحة، انكسر ابتزاز العنف. في وجه عنف السلطة، صمدت الثورة واستردّت الساحة وكسرت قرار حصرها ببعض الساحات الساقطة أصلاً. فإذا كان المخطّط هو أن تتمّ محاصرتها في ساحة مسيّجة ومخترقة من «اليسار البراميلي»، فقد سقط هذا القرار رغم غاز السلطة وكلابها.
سقط هذا المخطّط ومعه نبيه برّي الذي بات «البلطجي الأوّل» في هذه السلطة، بعدما أخذ على عاتقه تجنيد حركة أمل، بفروعها الرسمية والحزبية، لقمع الثورة.
سقط هذا المخطّط ومعه استشارات سعد الحريري ومحاولته تمرير ترشيحه كالخيار الوحيد لتفادي أزمة هو من أهمّ المسؤولين عنها.
سقط هذا المخطّط ومعه تهديد نصرالله الدائم بالأزمة وضحكته تلك، ضحكة المنتصر المتعجرف.
والأهم من ذلك، سقط ابتزاز العنف. لم يعد هناك إمكانية للعودة إلى الوراء، فإن أردتم مواجهة الثورة بالعنف، فليكن.
لكن، البارحة أيضاً، بدأ ينكسر مبدأ الابتزاز نفسه. البارحة، كسرت الثورة الابتزاز وقبلت بالأزمة كواقعة لا مهرب منها. لم يعد هناك وهمٌ بأنّه يمكن الخروج من الأزمة إذا حافظنا على مجرّد ثورة سلميّة محصورة ببعض الساحات بانتظار أن تعدّل الطبقة السياسية من سلوكها وتقدّم بعض الحلول.
ومع انكسار هذا الوهم، بدَوْنا على حقيقتنا، مجرّد رهائن عند السلطة، رهائن الوهم بأنّه ما زال من الممكن العودة إلى وضع طبيعي. سقط هذا الوهم وظهرت الحدود المادية لسجننا: حدود المصارف من جهة، وحدود السلاح من جهة أخرى. البارحة انتفضت الرهائن على السلاح.
لا تُستكمَل هذه الانتفاضة إلا بكسر الوهم الاقتصادي وابتزازه. لا عودة إلى ما قبل الأزمة، مهما حاولت السلطة إغراءنا بالوعود القطرية أو الفرنسية. فهناك نظام قد انهار، ولا يحتاج إلى أكثر من زيارة إلى فرع مصرف للتأكد من ذلك. فاستكمال كسر ابتزاز العنف يكون بكسر الابتزاز المالي، والبدء بعملية عصيان مالي وضريبي. فمع استمرار المصارف بنهب الناس واستمرار السلطة بصفقاتها، بات هناك منطلق أخلاقي لإعلان حالة من العصيان المالي، منطلق أخلاقي مفاده أن الناس لن تدفع ثمن الأزمة.
البارحة، بدأت حالة الابتزاز تسقط. ومع سقوطها، بدأت القطيعة مع النظام تترسّخ.
البارحة، بدأت الرهائن تنتفض وتقول: إن كان لا بدّ من الأزمة، فلتكن على الجميع.