حيطان وسط المدينة تُخبر القصّة: قصة الشعب إذا جاع بياكل حكّامه، الغضب من عهد العرص ومن كلّن يعني كلّن نصرالله واحد منّن ومن حراميّيه ومن رأس المال و«قرط» مصاري الناس وسلطة رجال الدين والمحكمة الجعفرية والعسكر والـ51 بالمئة. تُعلن الجدران نهاية الحرب الأهلية.
الشتائم والرسوم المعبِّرة عنها، والتي تليق بالعصابة الحاكمة، في كل مكان، وهي خارجة من قلب القلب، من تراكم سنين، من وعي أتت لحظته وانفجر.
امرأة في اليوم الثاني على الثورة سألت: ماذا يقولون؟ أجابتها أخرى: هيلا هيلا هيلا هيلا هو، جبران باسيل كس إمو. تسكت، تبتسم بخجل، ثم تُجيب بحماسة: ولك 40 مرّة! نقاش صغير عن المسبّات وضرورة إيجاد قاموس جديد لها ينتهي بأن الساحة بتساع الكلّ. يللي بدّو يسبّ يسبّ، ويللي بدّو يقول ردّيات ما فيها مسبّات يقول، قالت شابة وتابعت مسيرتها مع الطبل والهيلاهو.
حق المرأة بإعطاء الجنسية لأولادها وبحضانتهم وبالمساواة مصانٌ على الجدران. وهو انعكاس لما تقوم به الشابات والنساء على الأرض، من الهتاف والوقوف في الصفوف الأمامية بوجه القوى الأمنية وتسكير الطرقات ولبط المرافقين عند الضرورة.
حقوق المثليّين مصانة أيضاً على الجدران. مصير المفقودين في الحرب الأهلية كذلك.
لا كتابات عنصرية أو طائفية. إلقاء اللوم لم يعد على اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين، لا أحد يُلام ويُصَبّ الغضب عليه إلا السلطة الحاكمة. على الحيطان يُشتم بشار الأسد ويُعلن التضامن مع المعتقلين والمعتقلات في سجون السيسي.
مجموعة تأخذ زاوية وتردّد التحيات للشعوب العربية المنتفضة، من سوريا الى البحرين، على طريقة هتافات الثورة السورية. جنّوا جنّوا العونية... يلّا إنزل على الشارع... يلا إرحل ميشال عون... طيف القاشوش في لبنان.
التحيات تتردّد أيضاً الى المناطق اللبنانية المنتفضة والى المخيمات الفلسطينية في لبنان التي قامت منذ فترة ضدّ الظلم.
والقلب من وسط البلد يدقّ لكل منطقة، ويندهش أمام الصور والفيديوهات والأخبار القادمة من الشمال الى الجنوب.
ما أثار ذهولي بشكل خاص هي الصور الآتية من منطقة جلّ الديب وجسرها، الذي أخذ إنشاؤه سبع سنين وأصبح مضحكة ومضرب مثل على أداء السلطة. جل الديب هذه عشتُ فيها سنتين، لا أتذكر منها شيئاً إلاّ الفراغ واستهجاني اليومي وأنا على أتوسترادها، ذهاباً وإياباً، لضرب الجنون الذي اقترفتُه بقرار الإنتقال للعيش فيها. أصبح لجلّ الديب منذ أيام حضور وثقل مدوٍّ. جسرها وأوتسترادها يهتفان «ثورة». من هناك تلقى التحيات إلى النبطية وطرابلس وغيرهما من المدن المنتفضة.
في ساحة الشهداء، تسجيل لجوليا بطرس، يُردّ عليه على حائط بعبارة: تسقط مدام بو صعب.
في الصباح الباكر، عائلات وأفراد يكنسون الشوارع ويفرزون النفايات. أصحاب عربات الأكل التي تتزايد يوماً بعد يوم على رصيف رياض الصلح، يراقبون ويصبّحون على الناس ويتكلّمون عن السرقات والنهب والأرقام. علّق واحد منهم على خطاب الحريري «الإصلاحي»: «هيدا متل يللي نمرة إجرو 43 وبدّو يقنعو صاحب المحلّ يجيب صباط 40»، لأنو بيوسع.
الناس شعشعت وسط بيروت… بدنا خبز وعلم ومسرح… ثورة طلابية… ستحصلون على ما تستحقّون: هذا ما كُتب على أحد جدران «التياترو الكبير» الذي حرّرته أيادي الشبيبة في وسط بيروت، بجانب تمثال رياض الصلح.
وبخطّ جميل داخل المبنى الجميل نفسه، كُتب: خدوا كلكن، يعني كلكن.