خبر عاجل: أقدم شخص على قتل تسع ضحايا في أماكن مختلفة في اليوم نفسه.
تغطية مسائيّة مباشرة من بعقلين: يقوم «ابن المنطقة»، النائب مروان حمادة، بإجراء مقابلة حيّة. يبدأ بتقديم التعازي، ثم يؤكّد أنّ السياسيّين بادروا بالاتصال به وبـ«البيك» وليد جنبلاط لتقديم التعازي.
تغطية اليوم التالي:
بعض الصحف تضع صورة مروان حمادة كغطاء للمقال المتناول للجريمة.
النائب طلال أرسلان يكتب أن المسألة هي مسألة عائلية.
منشورات لا تُحصى لجمعيّات نسويّة وحقوقيّة تستنكر الجريمة وترفض وصفها بجريمة شرف، مذكّرةً بأنّ ضحايا الجريمة هم أشخاص «مهمّشون» من نساء وأطفال ولاجئين.
انتشار النظريات الأوليّة حول الجريمة: يعتبر البعض أنّ القاتل انتقم من زوجته الخائنة، في حين اعتبر البعض الآخر أنّ الجاني كان يريد تصفية حسابات شخصية مع سوريّين، وأنّه قتل اللبنانيين ظناً منه أنّهم سوريّون (!)
من المعيب أن يبادر السياسيّون والصحافيّون وحتّى الناشطون باستباق الإجراءات القانونية والتحقيقات واختصار جريمة معقّدة بشعارات، وإن عن حسن نيّة، وذلك للاعتبارات التالية:
أين قواعد المهنة حين يقوم الإعلام بإعطاء الهواء حصراً لسياسيّين لا رابط أو شأن لهم بالجريمة سوى أصوات انتخابية محتملة في المنطقة؟
ما الفائدة من تأكيدات مروان حمادة أنّ سياسيّين كسمير جعجع وغيره قاموا بواجب التعزية؟
ما الفائدة من قيام حمادة بتحليل الجريمة كجريمة شرف؟
تغريدة طلال أرسلان بأن المسألة عائلية ليست مبنيّة سوى على تسريبات أمنية من غير المقبول نشرها حفاظاً على سريّة التحقيق. فالسياسيون في لبنان ليسوا خبراء سوى بتأجيج الفتنة أو بالإسراع لوقفها، وهم بالتأكيد ليسوا أطبّاء نفسيّين أو خبراء جنائيين.
على أيّ أُسُس أو وقائع استندت الجمعيات النسويّة لتختصر الجريمة بتركيبة أبويّة سامّة، وباستهداف ضحايا من «الفئات المهمّشة»؟
في الواقع، لا يجوز اختصار الجريمة بالنظام الأبوي وبالعنصرية. فرغم تجذُّر النظام الأبويّ في لبنان، فضلاً عن واقعية وجود عنصرية وغياب حقوق اللاجئين، فإنّ الجريمة هي أكثر من جريمة عنف ضد النساء وضد اللاجئين وضد الأطفال، وإن تبيّن أنّها لا تخلو من ذلك.
لا تتحقّق العدالة من خلال الشعارات، بل يجب التعرّف على المشاكل بشكل علميّ: في الواحد والعشرين من نيسان، أقدم شخص على قتل عشرة أشخاص في بعقلين.
الضحايا؟ عائلة سورية وأولادهما الاثنين، امرأة لبنانية في عقدها الثالث، رجل سوري وأربعة رجال لبنانيين.
القاتل؟ زوج إحدى الضحايا مشتبه به، وتفيد التسريبات الصحفية أنّه اعترف بالجريمة.
طريقة القتل؟ رصاص بندقية في الرأس، باستثناء المرأة التي قتلت ذبحًا.
مكان القتل؟ لم يقتل الجاني ضحاياه في الوقت نفسه أو المكان نفسه.
كما تجدر الإشارة إلى وجود رابط بين ثلاث ضحايا هم زوجة المشتبه به وشقيقاه.
تصنّف العلوم الجزائية والجنائية هذه الجريمة كجريمة مرتكبة من قبل ما يُعرَف بـالسبري كيلر. الجاني في هذه الحالة هو من يقوم بقتل شخصين أو أكثر في وقت زمني قريب وفي عدّة أمكنة.
قام البعض بتشبيه الجريمة بجريمة الأونيسكو التي حصلت عام 2002 وراح ضحيتها ثمانية موظفين قتلهم زميلهم. إلا أن الفارق بين الجريمتَيْن هو أنّ مرتكب الأولى يمكن أن يُصنّف بـالسبري كيلر، أمّا مرتكب الثانية، فبالـماس كيلر او القاتل الجماعي؛ وغالباً ما يقوم الجاني في هذه الحالة بتسليم نفسه أو الانتحار.
يساهم تصنيف الجريمة في فهم حالة الجاني النفسيّة والعقليّة، وبالتالي توقّع تصرّفاته، ممّا يمكّن الضابطة العدلية من إلقاء القبض عليه. فهذه الفئة من الجناة تبدأ عادةً من جريمة أولى [ونفترض أن تكون هذه الجريمة هي جريمة قتل المرأة بالسكين] وتتنقل إلى جرائم عدّة، وقد تتوقّف بعد ساعات أو حتى بعد أيّام أو أشهر.
لكنّ المطلوب أمام جرائم كهذه التقيّد بأدنى شروط المهنيّة:
عدم إعطاء الهواء للسياسيّين عند حدوث جريمة كهذه.
عدم السماح للسياسيّين بتفقُّد موقع الجريمة، وعدم تسريب معلومات التحقيق لهم.
نقل معطيات الجريمة بموضوعيّة خالية من التحاليل غير المثبتة بالأدلّة.
محاورة الاختصاصيّين من قبل الإعلام.
إزالة تعبير «جريمة شرف» من قاموسنا اللغوي بشكل كامل.
هكذا نفسح المجال أمام تحليل علميّ جنائيّ لا تختزله شعاراتٌ شعبويّة.