تعليق نواف سلام
خالد صاغيّة

حكومة نوّاف سلام

الكفاءة وحدها لا تكفي

10 شباط 2025

سبقت ولادةَ الحكومة اللبنانية سجالاتٌ ومعايير فرضها الواقع المستجدّ بعد العدوان الإسرائيلي والاهتراء المديد داخل الوزارات وإدارات الدولة. فسادَ الحديث عن وزراء غير حزبيّين لتفادي النكايات السياسية الاعتياديّة داخل الحكومة، وتفكيك إمكانيّة التعطيل من داخل الحكومة سواء من خلال ثلث عدد الوزراء (الثلث المعطّل) أو من خلال التذرّع بالميثاقيّة، وأن تحظى الحكومة بثقة الخارج من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وضمان الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. يمكن القول، إذاً، إنّ أجواء ما قبل التشكيل طغت عليها، ببساطة، أولويّة تأليف حكومة قادرة على العمل، بصرف النظر عن نوع العمل الذي ستقوم به. 


الكفاءة

بخلاف حكومات سابقة، تراجع مصطلح «حكومة تكنوقراط» لصالح «حكومة كفاءات»، أو حكومة «الكفاءات الوطنية العالية»، بحسب تعبير رئيس الحكومة نواف سلام. لكنّ مصطلح «الكفاءة» يحيل إلى الماضي أكثر ممّا يحيل إلى المستقبل. فالمقصود به هو التمايز عن الحكومات السابقة التي أوصلتنا إلى القعر الذي نحن فيه، حتى بات تشكيل حكومة من وزراء أكفّاء حدثاً استثنائياً، ما دام «العاديّ» في لبنان هو ألا يكون الوزير كفؤاً. ولتظهير هذه الصورة، لم يفت كثيرين المقارنة بين وزير الثقافة في الحكومة السابقة، محمد وسام مرتضى، الذي شكّل عنوان قلّة الكفاءة، ووزير الثقافة الحالي، غسّان سلامة. وإذا كانت هذه المقارنة لصالح حكومة سلام طبعاً، لا بل قد تكون أكثر نقاط هذه الحكومة إشراقاً، فإنّ معيار الكفاءة وحده لا يكفي للتفاؤل. فـ«الكفاءة» يمكن أن تُجيَّر في أكثر من اتّجاه، خصوصاً في سياق بلدٍ يعاني من انهيار اقتصادي وينتظر خطّة إصلاح ماليّ توزّع أعباء الانهيار على شرائح مختلفة. فسؤال ما بعد الكفاءة، هو لمصلحة مَن ولخدمة أيّ فئات من المجتمع ستُستخدَم هذه الكفاءة. 


المافيا

لقد تمكّن رئيس الحكومة، إلى حدٍّ ما، من اتّباع أسلوب مختلف في تشكيل الحكومات، عبّر عنه في جملته المقتضبة: أنا مش ليبان بوست. لا يتعلّق الأمر هنا بتوزّع الصلاحيات بين الطوائف، بل بتوزّع الصلاحيات بين مؤسسات الدولة وزعماء المافيا الذين يواصلون، منذ نهاية الحرب الأهليّة، عملية الانقضاض على الدولة. ليس انقضاضاً بمعنى النهب الذي مارسوه وحسب، بل بمعنى تحويل التوزيع الطائفي في الإدارة وفي الحكومة إلى توزيع حصص بين زعماء الطوائف. وقد شمل ذلك كبار الموظّفين وصغارهم، والقضاة، والضبّاط، وصولاً إلى الوزراء.

نتيجة الابتعاد عن نموذج «ليبان بوست»، حظي وجود الأكاديميّين والاختصاصيّين داخل الحكومة بكثير من الحفاوة. وهي حفاوةٌ لا تتعلّق بأسماء هؤلاء الوزراء الجُدُد بقدر ما تتعلّق بتحجيم المافيا التقليديّة داخل السلطة. لكنّ هذا التحجيم للمافيا التقليديّة لم يترافق مع تحجيم للمافيا النيوليبراليّة التي يبدو أنّها ممثَّلة خير تمثيل في هذه الحكومة التي تضمّ عدداً من صقور رجال الأعمال والمصرفيّين، إضافةً إلى محاميَيْن من وكلاء المصارف. صحيحٌ أنّه يمكن المراهنة على حسّ العدالة المعروف لدى بعض الوزراء، لكنّ هذا لا يكفي وحده لإزالة المخاوف.
فعلى سبيل المثال:   

كيف يمكن لـ«خبير» لطالما رأى في الخصخصة الحلّ الأمثل لمشكلات الإدارة اللبنانية، أن يكون مدافعاً عن أصول الدولة في ظلّ هجمة لوبي المصارف على تلك الأصول لبيعها أو استغلال عائداتها لإطفاء الخسائر الاقتصاديّة للقطاع المصرفي؟
كيف يمكن لوزراء هم أعضاء في مجالس إدارة المصارف، أو محامون لها، أن ينحازوا لمصلحة عموم الناس وألا يدافعوا عن رساميل أصحاب المصارف وعن إعفائهم من ثمن خطايا استثماراتهم التي أضاعت أموال المودعين
كيف يمكن لوزير تُلخَّص نجاحاته في تشجيع سوق السيارات الخاصّة، أن يكون مؤتمناً على خطّة للنقل العام؟
كيف لوزير يملك شركة اتصالات ألا تتضارب مصالحه مع مصالح وزارة الاتصالات التي تسلّمها؟


رياح تشرين

لا يتوقّع أحدٌ من هذه الحكومة أن تكون ممثّلةً لانتفاضة تشرين. لكن، رغم ذلك، حملت تسمية رئيسها بعض الآمال التشرينيّة. إلا أنّ تشكيل الحكومة ابتعد عن مكوِّنَيْن تشرينيَّيْن أساسيَّين: الروح الشبابيّة والنسويّة، كأنّما رئيس الحكومة ومجايلوه من «الإصلاحيّين» مكتفون بتجربتهم. أمّا الشباب الذين ملأوا الساحات العام 2019، فقد اكتملت مهمّتهم حين عبّدوا الطريق لإيصال هذا الجيل من الإصلاحيّين إلى السلطة. 

هكذا يظهر معدّل الأعمار مرتفعاً في هذه الحكومة، وهو معدّل يناقض أيّ ادّعاء بتغيير فعليّ. فالحكومة، باستثناء الوزير الطبيب ركان ناصر الدين، تخلو من أيّ وزير في الثلاثينات من عمره. أمّا من ناحية التوزيع الجندري، فالحكومة تحوي خمس نساء فقط. وإذا كانت هذه النسبة أعلى من متوسّط التوزّع الجندري في الحكومات اللبنانية، فهي نسبة أدنى من حكومة حسان دياب مثلاً.  لكنّ المسألة لا تتعلّق بالعمر أو الكوتا النسائيّة وحسب، بل بوزراء يحملون أفكاراً غير محافظة ورؤيةً غير تقليديّة ونهجاً نسويّاً في ممارسة السلطة، وهو ما لا يتوفّر في هذه الحكومة.

لا يتحمّل رئيس الحكومة وحده مسؤولية ذلك. فرئيس الجمهوريّة الذي تلا خطاب قسم أراده أن يكون عنواناً للتغيير، سمّى ثلاثة وزراء من الذكور المرتبطين بمؤسّسات تقليديّة، سواء كانت أمنيّة أم طائفيّة أم مصرفيّة. أمّا القوّات اللبنانية والكتائب والحزب التقدّمي الاشتراكي، فاختاروا أيضاً وزراءهم من الذكور حصراً، رغم كلّ الكلام الفارغ عن التغيير والتجديد. 

قد لا تشغل هذه الأسئلة بال كثيرين أمام الشلل الذي يعاني منه البلد، وأمام مسألة احتكار الدولة للسلاح، وتأمين أموال إعادة الإعمار. لكنّ المسار التغييريّ الذي رفع صوته منذ 17 تشرين في وجه «تحالف المافيا والميليشيا»، لا يمكن أن يحتفي بوجوه جديدة لمافيا قديمة، لمجرّد أنّ «الشيعي الخامس» لم ينفرد نبيه برّي بتسمِيَته. وإذا كانت الأصوات المعارِضة قد ارتفعت في وجه تعيين ياسين جابر وزيراً للماليّة، فإنّ الحكومة تضمّ مَن هم على يمين جابر وليسوا أقلّ ارتباطاً بمصالح «المافيا».


 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
وزارة العدل السوريّة تحقّق مع قضاة «محكمة الإرهاب»
حدث اليوم - الأربعاء 12 شباط 2025 
12-02-2025
أخبار
حدث اليوم - الأربعاء 12 شباط 2025 
بماذا يبتزّ ترامب مصر والأردن؟
12-02-2025
تقرير
بماذا يبتزّ ترامب مصر والأردن؟
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 12/02/2025 
فتح شارع المصارف المقفل منذ 5 سنوات
معلومات جديدة عن الدكتور حسام أبو صفية: حُجز في زنزانة انفرادية 24 يوماً