قضية الأسبوع الحرب على لبنان
ميغافون ㅤ

ماذا بعد سقوط «الخطوة مقابل خطوة»؟ 

مناطق عازلة، تطوير عقاري، نقل سكّان

30 آب 2025

كثُر الكلام في الآونة الأخيرة عن اتّفاقية وقف إطلاق النار و«ورقة برّاك» واجتماعات سورية-إسرائيلية و«ما بعد حماس» ومسار تطبيعي كإشارة لعملية إعادة تركيب المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية عليها. ورغم انخراط معظم الفرقاء في العمليات التفاوضية، لا تبدو إسرائيل مهتمّة بإبرام أي اتّفاق، بينما يسمح تفوّقها العسكري لها بفرض شروطها على أرض الواقع. 

ما تشير إليه المسارات التفاوضية الثلاثة هو معالم المشروع الاستعماري الجديد، والتي بدأت تظهر بعض مكوّناته، من مناطق عازلة تحمي الحدود الإسرائيلية إلى مشاريع تطوير اقتصادي تُبنى فوق حقول الموت وإلى حتميّة عملية النقل السكّاني الذي يتيح إعادة هيكلة الأرض هذه. 

التفاوض يجري في عالم «سيادات» الدول، لكن على أرض الواقع، باتت هناك مشاريع، تتسرّب تفاصيلها تدريجيًا، وتعيد هيكلة «مادّيات» هذه الدول.


نهاية «الخطوة مقابل الخطوة»

بعدما صدّقت الحكومة على قرار حصر السلاح، ضمن أهداف ما عُرف بورقة توم برّاك، برّر رئيس الجمهورية جوزاف عون القرار بضرورة وضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليّاته. أي أنّ أهداف القرار كانت تفاوضية بالدرجة الأولى: لقد قام لبنان بالمطلوب منه، وعلى الوسيط الأميركي انتزاع تنازلٍ موازٍ من الجانب الإسرائيلي. والتنازل الذي أراده لبنان كان معروفًا: انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الجنوبيّة المحتلّة، والسماح بعودة أهالي القرى الحدوديّة، ومن ثم الشروع بورشة إعادة الإعمار. وهذا تحديدًا ما نصّت عليه الورقة التي انتزعها برّاك من لبنان.

غير أنّ زيارة برّاك الأخيرة أنهت كل أمل بالمضي قدمًا وفق مبدأ «الخطوة مقابل الخطوة»، وإن أصرّ الوفد الأميركي على تكرار هذا المبدأ لفظيًا. فما أفصحت عنه هذه الزيارة كان ببساطة:

  • عدم استعداد إسرائيل للالتزام بالانسحاب من جنوب لبنان، مقابل أي خطوة يقوم بها لبنان. وأقصى ما يمكن أن يتأمّله لبنان، بحسب مورغان أورتاغوس، هو «تشجيع» أميركي كي تقوم إسرائيل بخطوةٍ ما مقابل التقدّم أكثر بسحب سلاح حزب الله.
  • وحتّى في حال قرّرت إسرائيل الانسحاب من النقاط المحتلّة، فلن يكون هناك سيادة للدولة على القرى الحدوديّة. بل ثمّة مخطّطات جديدة أبصرت النور، تقضي باستحداث منطقة عازلة وخالية من السكّان على امتداد هذه القرى، بذريعة إنشاء «منطقة اقتصاديّة» جاذبة للاستثمارات في تلك المناطق.

وإلى جانب المضمون المُهين للرد، حرص الوفد الأميركي على إحاطة الزيارة بأكبر قدر من الإهانات الشكلية: من طريقة مخاطبة توم برّاك للصحافيين في القصر الجمهوري، إلى نبرة السيناتور ليندسي غراهام في التأكيد على عدم التزام الولايات المتّحدة بأي وعود للبنان قبل الانتهاء من نزع السلاح. وبهذا الشكل، كان الردّ الأميركي، شكلًا ومضمونًا، صفعة للحكومة والعهد ولرهانات قرارهما الأخير.


لبنان، سوريا، غزّة

لكان من الممكن اعتبار هذه المخطّطات مجرّد اقتراحات مجنونة، غير قابلة للتنفيذ، لو لم تكن تحاكي ما يجري في سوريا وغزّة، لتظهر المعالم المشتركة للمقاربة الاستعمارية في المناطق الثلاثة، ما يكرّس السيطرة الإسرائيلية ومصالحها على صُعد مختلفة.

مناطق عازلة

في سوريا ولبنان، كما في غزّة والضفّة الغربية، يسعى الاحتلال، أوّلاً، إلى إقامة مناطق عازلة. في لبنان، فرضها الاحتلال بقوّة النار والدمار الذي خلّفه العدوان الذي هدّم عشرات القرى على طول الحدود. وفي سوريا، يوسّع الاحتلال المنطقة العازلة لتشمل حدود ريف دمشق، مع درعا والقنيطرة. وهذا ما أكّده مسؤولون إسرائيليون خلال الأسبوع الأخير، ردّاً على سؤال حول اتّفاق أمني محتمل مع دمشق. ومن خلال هذه المناطق العازلة يريد الاحتلال توسيع نفوذه العسكري والأمني أولاً، وقضم الأراضي ثانياً، بعنوان ضمان أمن إسرائيل من أي خطر.

المناطق الاقتصادية والتطوير العقاري

كما في غزّة و«مشروع ريفييرا» كشكل «ما بعد حماس»، طُرح خلال الأسبوع الأخير مشروع إقامة منطقة اقتصادية في جنوب لبنان، هدفها المُعلن تأمين «الأمن» و«التنمية» وجرّ الاستثمارات. إن أُنشئت هذه المنطقة، فستكون على أنقاض القرى اللبنانية الحدودية التي لم يعد أهلها إليها بعد، لتتحوّل إلى منطقة للأعمال والصناعة، خالية من السكّان، أي امتداد آخر للمنطقة الأمنية العازلة. وفي سوريا، شكّل ملف «إعادة الإعمار» ورقة الضغط الأهم على الإدارة الجديدة، إذ أنها ارتبطت فعلياً بموقف هذه الإدارة من التسوية مع إسرائيل. وكانت إسرائيل سبقت كل هذا بتقديم اقتراحات منح المواطنين السوريين أذونات عمل داخل الأراضي التي تحتلّها وتوسّع احتلالها في الجنوب السوري، كبديل اقتصادي. 

التهجير والترانسفير

في نقطةِ شبَه أخرى مع غزّة والضفّة الغربية، يُطرح مشروع تهجير الناس من جنوب لبنان، تحت المطلب الإسرائيلي نفسه، وهو الأمن. وكذلك الحال في سوريا، وتحديداً بعد أحداث ومجازر السويداء، حيث تم التهجير فعلاً لعددٍ من عائلات العشائر البدوية، في حين أنّ أهل السويداء تهجّروا أيضاً من عشرات القرى في ريف المحافظة. ويطرح المشروع الإسرائيلي للاتّفاق الأمني مع إدارة الشرع أن يكون جنوب سوريا تحت الحكم الذاتي شكلياً، وبإدارة إسرائيلية فعلية، من القنيطرة إلى درعا والسويداء، ما يعني تهجيرًا مبطّنًا لمكوّنات مذهبية من الجنوب. 


أبعد من وقف إطلاق النار

يدور السجال في لبنان حول السلاح والخطوات المطلوبة لإتمام اتّفاق وقف إطلاق للنار. وقد يكون هناك زخمًا مفهومًا وراء طلب «تسكير» الجبهة لمحاولة عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق التي ما زالت تعيش في حالة حرب. لكن وراء هذا التفاوض المشروع، هناك بوادر مشروع إعادة هيكلة المناطق، والذي بدأ يحظى بدعم من مكوّنات لبنانية، تتشارك مع إدارة ترامب، إلى جانب التوجّهات السياسية، نفس التركيبة الاقتصادية القائمة على مصارف ريعية وسماسرة عقارية. 

هناك عمل ديبلوماسي يأتي، في النهار، مع خطابٍ معلّبٍ ولو ساده كلام عنصري واستعماري. ولكن بعد انتهاء دوام الديبلوماسية، تبرز معالم حلفٍ ظهر بعد غروب الشمس. مائدة عشاء ضمّت أعضاء من الوفد الأميركي، مع إعلاميين ومصرفيين وسياسيين يدورون في فلك البنكرجي أنطون صحناوي، والتي باتت مواقفه معروفة. بات لهذه الترامبية الصاعدة، مع مزيجها من المصالح الريعية والسمسرة العقارية والعنف الفظّ، فرعًا لبنانيًا، يتطلّع إلى مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار ومشاريعها الاستعمارية.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً