محكمة الرأي العام
خضعت قضيّة جوني ديب وأمبر هيرد لمحكمة الرأي العام قبل المحكمة الفعليّة. تحوّلت إلى مشهدٍ يحدّق به الجميع، باحثين عن أدلةٍ تثبت أنَّ هيرد كاذبةٌ سايكوباثيّة. فحتى قبل صدور الحكم، خسرت أمبر هيرد الدعوى بعيون العموم وصدر الحكم: أمبر كاذبة وجوني ضحيّة.
أسأل نفسي، كما يسأل كثيرون أنفسهم: كيف تحوّلت قضيّة تشهير إلى بابٍ واسع لتشريع التهديدات العنيفة ولوم الضحايا؟
خلال أيّام المحاكمة وحتّى اليوم، تحوّل كلّ شيءٍ متعلّق بأمبر هيرد إلى أداة للاستهزاء الشرس على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من طريقة تعبيرها عن مشاعرها، أو غياب هذه المشاعر، وصولاً إلى الملابس التي ارتدتها في جلسات المحاكمة. استُخدمت كلّ هذه العناصر للتشكيك في روايتها، وتخوين حركة #أنا_أيضاً بتشعّباتها على المدى الأبعد. وتداخلت عوامل عدّة لإذلال أمبر هيرد علناً، من موقع القوّة والشهرة الذي يمتلكه جوني ديب إلى التصنيفات الكارهة للنساء التي وُظِّفت لإعادة إلقاء اللوم على الضحايا، كالمرأة الهستيرية والمرأة التي تكذب لجذب الاهتمام.
الضحيّة غير المثاليّة
منذ البداية، لم يكن السؤال الأساسي ما إذا كان جوني ديب قد اقترف أيّة أفعال عنيفة، بل كان: هل بإمكاننا أن نصدّق أمبر هيرد، أو بالأحرى، هل تستحقّ هيرد دعمنا؟
فتحوّلت المحكمة إلى هجوم علنيّ على مصداقيّة أمبر هيرد. استُعمِلت الحقائق والوقائع ضدّها لنزع الشرعيّة عن روايتها كليّاً، كعدم استكمالها تبرّعاتها الخيريّة مثلًا، الأمر الذي لا يتعلّق مطلقاً بالعنف الذي مارسه جوني ضدّها. وتحوّلت القضيّة إلى مشهدٍ يصوّر هيرد على أنّها كاذبة، بدعمٍ من التغطيات الإعلامية للمحاكمة ووكلاء جوني ديب وحملة «العدالة لجوني» والرأي العام ككل.
كان الرفض الكليّ لرواية هيرد سلاحاً أساسياً لفوز جوني ديب. استند هذا الرفض إلى تصوير هيرد كضحيّة غير مثالية. لتكوني ضحيّةً مثاليّة في أعين الخطاب العام، عليك أن تكوني عاجزة وبريئة كليّاً، المعيارين اللذين فشلت هيرد في تلبيتهما.
تمكّنت هيرد من الدفاع عن نفسها في بعض الأحيان وتمكّنت من استعادة بعض السيطرة عبر تجميع أدلةٍ عديدة ضدّ ديب. لكنّ هذه الأدلّة استُعملت أثناء المحاكمة ضدّها. فـ«المعنّفون هم الذين يجمّعون الأدلّة»، هكذا استُعملت وثائق أمبر ضدّها، كما تداول مستخدمون على تويتر. تعيدنا هذه المقولة إلى خطابٍ أوسع تمّت حياكته تزامناً مع جلسات المحاكمة. خطابٌ يصوّر هيرد كمعنِّفة فقط لأنّها دافعت عن نفسها بوجه تعنيف ديب الواضح، والذي تحوّل إلى تفصيلٍ جانبيّ في القضية.
حكمٌ ضدّ الناجيات
فشل أمبر هيرد في تقديم نفسها كضحيّةٍ مثاليّة كان عذراً كافياً للجماهير لإذلالها وانتقاد حركة #أنا_أيضاً، فضلاً عن جميع الجهود النسويّة لترسيخ مبدأ تصديق الناجيات. حشرت هذه السرديّاتُ النسويّاتِ حول العالم وضغطت عليهم لنبذها من #أنا_أيضاً، في محاولةٍ لإنقاذ الحركة.
ما فائدة هذه السرديّة إذاً؟ لا تهدف حملات الهجوم على هيرد إلّا لإيصال رسالةٍ واضحة للناجيات: لستنّ ضحايا إلّا إذا كنتنّ عاجزاتٍ كليّاً أمام تعنيفكنّ. تحوّلت أمبر إلى وحش، هي وداعميها والمتعاطفين معها والذين صدّقوها وكلّ من تطابقت تجربتها مع تجربة هيرد. أصبحت هيرد التي عكّرت صفو الحركة النسوية عاراً على جميع النساء. لماذا؟ لأنّها دافعت عن نفسها وكسرت حاجز صمتها.
كان الحكم المنحاز إلى ديب مفجعاً لكثيرٍين منّا، إلّا أنّه كان متوقّعاً من المؤسسة القضائية التي ترسّخ أنظمة القمع والسيطرة. برهنت هذه القضيّة أنَّ أملنا الوحيد بمقاومة أنظمة التعنيف يكمن بتصديقٍ جماعي لآلام بعضنا بعضاً وأساليب مقاومتنا الفرديّة، بدلاً من الاعتماد على هياكل ومؤسسات تعزّز السلطة الأبوية وتقوّيها.