يوميات انفجار المرفأ
خالد صاغيّة

في 4 آب، اعتقدنا أنّنا نعرف

4 أيلول 2020

منذ زمن طويل، عرفنا أنّهم لصوص. عرفنا أيضاً أنّهم قَتَلة. لصوصٌ بدرجات، وقَتلَة بدرجات. لكنّنا عرفنا.

لم ينغشّ منّا أحد. حتّى أولئك الذين يتبعونهم، يعرفون. لكنّهم يقولون إنّهم حين قتلوا، قتلوا من أجل قضيّة. وحين سرقوا، سرقوا من أجل قضيّة.

كنّا نعرف بالفساد، وكانوا يعرفون أنّنا نعرف. حتّى عائلاتهم الصغيرة، أبناؤهم وبناتهم، كانوا يعرفون. طنّشوا وطنّشنا. طنّشوا وهم ينفقون الأموال من دون حساب، وطنّشنا ونحن نتفرّج عليهم ينفقون من دون حساب. وحين كنّا نصرخ، كنّا نعرف أنّ الصراخ لا يجدي نفعاً. لكنّ الصراخ كان حيلتنا الأخيرة كي نبقى وإيّاهم قادرين على العيش في هذا المكان.

كنّا نعرف أنّ الدولة منهوبة، وأنّ البحر مصادَر، وأنّ الهواء ملوّث، وأنّهم يكدّسون الثروات على حساب الآخرين. لكنّنا تعوّدنا. تعوّدنا أن ندير ظهرنا للبحر، وأن نقنع بعضنا بعضاً بالمناعة التي طوّرناها كي نتّقي من الأمراض. تعوّدنا على الهجرة. تعوّدنا أن نرتّب الشنط كي نعيش.

كنّا نعرف ونتظاهر أحياناً بأنّنا نتفاجأ. نجلس أمام التلفزيون ونستمع لـ«فضيحة». لكنّنا لم نكن نتفاجأ حقاً. وأولئك الذين يكتشفون الفضائح لا يتفاجأون. يفعلون ذلك كي يتسلّوا ونتسلّى. يعرفون أنّها ليست فضائح لأنّ كلّ شيء مفضوح منذ زمن.

كنّا نعرف أنّهم قتلوا في السابق، وأنّهم يقتلون اليوم، ولن يتردّدوا في قتل مَن يقف في طريقهم في المستقبل. لكنّنا كنّا نظنّ أنّنا بعيدون عن طرقاتهم. فنحن لا دخل لنا بالجيوبوليتيك، ولا نطمح لزعامة طائفة، وكلّ أحاديثنا عن الطائفيّة والفساد باتت من عدّة المائدة وآداب الطعام وأحاديث الأسانسورات. نعرف أنّها لا تخيفهم ولا تزعجهم.

كنّا نعرف أنّهم هنا منذ سنين، وباقون لسنين طويلة. فهم ليسوا أسماء نضعها في صناديق الاقتراع. إنّها أسماء مَن موّلوا حروباً أهلية. أسماء مَن قتلوا بأيدهم، وأرسلوا آخرين ليقتلوا أو يموتوا. أسماء ارتكبت مجازر جماعيّة. هجّرت مدناً وقرىً هنا وفي كلّ بلدٍ امتدّت له أيديهم. أسماء راقصت لعبة الأمم، عرفت كيف تنحني للعواصف، كيف تذلّ نفسها، وكيف تأكل كتف التاريخ.

كنّا نعرف. لكن، في دواخلنا، اعتقدنا أنّ الخدعة البصريّة التي ابتكروها بعد نهاية الحرب الأهلية قد تقينا شرّهم. نظرنا إليهم حين ارتدوا البزّات الرسميّة، وجلسوا على المقاعد الرسميّة، وقلنا: ربّما يكتفون. ربّما يتركوننا الآن وشأننا. نعيش في بيوتنا الآمنة التي لا تهدّد زعاماتهم بشيء. تلك البيوت التي استأجرناها من مقاوليهم، واشتريناها بقروضٍ من مصارفهم، ودفعنا ضرائبها لخزاناتهم.

كنّا نعرف. اعتقدنا أنّنا كنّا نعرف. لكنّنا لم نكن نعرف شيئاً. كنّا بحاجةٍ لثلاثة آلاف طنّ من نترات الأمونيوم كي نعرف أنّنا لا نعرف. نعرفهم منذ عشرين وثلاثين وخمسين سنة، لكنّنا لا نعرفهم. لا نعرف شيئاً عنهم. تماماً كما لا نعرف شيئاً عن أنفسنا، نحن الذين كنّا نعتقد أنّنا أحياء، قبل أن يأتي ذاك الفريق التشيليّ ويُخرج آلة الإنقاذ من جيبه ويكتشف أنّ لا نبض. لا نبض فوق الأنقاض.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 26/12/2024 
الاحتلال ينسحب من وادي الحجير بعد تخريب طرقاته
غارات إسرائيلية تستهدف مطار صنعاء ومنشآت نفطية باليمن
عبير رحّال ضحية رصاص زوجها داخل المحكمة 
أهالي معريا السوريّة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
26-12-2024
تقرير
أهالي معريا السوريّة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
بلدية طهران تتراجع عن تسمية أحد شوارعها باسم يحيى السنوار