تعليق هندسة الانهيار الاقتصادي
علي نور الدين

من يدير دفّة الأزمة اليوم؟

9 حزيران 2021

من يدير ملف الانهيار المالي اليوم؟

هل هو حاكم المصرف المركزي الذي يبدو أنّه امتلك ما يكفي من غطاء سياسي ليقرّر منفرداً مصير ما تبقّى من أموال في المصرف، بمعزل عن أي تشريع يعمل عليه المجلس النيابي، وأي خطة حكوميّة لإدارة ملف الدعم؟

أم هو رئيس الجمهوريّة الذي قرّر بشحطة قلم تمرير السلفة الاستثنائيّة لمؤسسة كهرباء لبنان، دون أن يعلم أحد كيف أصبح المساس بالاحتياطي الالزامي متاحاً بعدما كان من أكبر المحرّمات منذ أيام؟

هل هم وزراء تصريف الأعمال ورئيس حكومتهم الذين يمرّرون الوقت بالحد الأدنى من التدخّل الذي لا يرقى إلى مستوى تصريف الأعمال؟

السؤال بديهي في ظل فوضى الصلاحيات والقرارات المبعثرة والمتضاربة من حاكميّة المصرف المركزي ورئاستي الجمهوريّة والحكومة والوزراء، ناهيك بالمجلس النيابي الذي يغرّد بعيداً وكأنّه يدير انهيار بلد آخر.

أليس من الطبيعي أن نسأل، في ظل هذا الوضع غير المألوف في إدارة الانهيارات الكبرى، ما إذا كان هذا المشهد متعمّداً؟ بمعنى أن تبقى جريمة العصر، أي طريقة إدارة هذا الانهيار والفئات المستفيدة منه، جريمة بلا توقيع أو عنوان؟


مسرحيّة سلفة الكهرباء

على نحو غير مفهوم، مرّت سلفة الكهرباء بتوقيع وإخراج استثنائيين في قصر بعبدا، الذي كثرت فيه مؤخّراً الأرانب التي تخرج من تحت القبعات في اللحظات الأخيرة. وبالطريقة نفسها، تلقينا نبأ بدء تفريغ حمولات محدودة من الفيول في المعامل.

في المبدأ، كان يفترض أن تكون مسألة السلفة الاستثنائيّة مجمّدة بانتظار قرار المجلس الدستوري النهائي الذي علّق العمل بقانون هذه السلفة بانتظار البتّ بأساس القضيّة. لكنّ عطب الشغور المستجدّ وفقدان النصاب عطّلا المجلس، فأخرجت بعبدا أرنب التوقيع الاستثنائي ومرّ القرار، باعتبار أن المجلس لم يعد قادراً على الحكم بأساس القضيّة.

المؤكَّد اليوم هو أنّ مسرحيّة السلفة من ألفها إلى يائها لم تكن سوى إخراج لأزمة أخرى، متّصلة بمستوى الاحتياطات في مصرف لبنان واستنزافها. السلفة الحاليّة، إن مرّر رياض سلامة تمويلها بالعملة الصعبة دون عرقلة، ستكفي إلى حدود منتصف آب في أفضل الحالات.

بعدها، سيعود الملف إلى المجلس النيابي، لنشهد مجدداً المسرحيّة نفسها.


كنعان في كوكب آخر

خرج ابراهيم كنعان مفاخراً بإنجاز المسوّدة النهائيّة لقانون الكابيتال كونترول، وهي مسوّدة يفترض أن تمرّ خلال الفترة المقبلة بلجنة الإدارة والعدل، ومن ثم الهيئة العامة للمجلس. ما زالت المسوّدة حتّى هذه اللحظة سرّ أسرار المجلس، على خلاف جميع المسوّدات الأوليّة التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام بلمح البصر.

المشكلة هي أن القانون يأتي اليوم بعد تهريب ما أمكن تهريبه من أموال النظام المصرفي، ولم يعد يحقق أي ضمانة للمودع من ناحية طريقة التصرّف بهذه السيولة. كما لا يطرح القانون أي خطة متدرّجة للخروج من حالة القيود الاستثنائيّة على السحوبات والتحويلات. بمعنى آخر، هي مسرحيّة لن تفضي إلا إلى منح المصارف غطاءً قانونياً لكل الممارسات التعسّفية التي قامت بها منذ تشرين الأول 2019.

لكن إشكاليّة المسرحيّة الأساسيّة ليست هنا.

ألم يرَ كنعان، قبل أن يعقد مؤتمره الصحفي، أن حاكم المصرفي المركزي أنجز مفرداً الكابيتال كونترول الخاص به؟ وأن تعميم الحاكم، وحده، قرّر سقوف السحب ومصادر تمويلها وأفقها الزمني والمهل الممنوحة للمصارف لتطبيقها؟ ما معنى قانون الضوابط الاستثنائيّة اليوم، إذا كانت مفاعيله ستقتصر على منح المصارف الغطاء القانوني، في حين أن خريطة طريق استعادة حقوق المودعين تضمنها تعاميم تحمل توقيع الرجل الملاحق بملفات غسيل الأموال والكسب غير المشروع في ثلاث دول أوروبيّة حتّى اللحظة؟


إضراب الصيادلة

يتّجه الصيادلة إلى إضراب سيمتدّ لنحو ثلاثة أيام، فيما بدا من الواضح أن خطاب الصيادلة المضربين انتقل اليوم من السؤال عن ملف الدعم إلى المطالبة بعودة الدواء إلى الأسواق، ولو دون دعم. مع العلم أن مصرف لبنان بدأ أساساً بتلقي طلبات استيراد الأدوية عبر المنصّة المستحدثة، ما يعني الدخول عملياً في مرحلة رفع الدعم عن الأدوية.

باختصار، نجحت لعبة تجفيف السوق من الدواء في نقل هواجس الرأي العام من مستقبل البلاد بعد رفع الدعم، إلى مستقبلها بلا دواء. وصار توافر الدواء، لا دعمه، هو المطلب الأساسي الذي بات يُذاع على وسائل الإعلام والتحركات النقابيّة الاحتجاجيّة.

ولعلّ هذا السيناريو هو تحديداً ما ستّتجه إليه البلاد في جميع الملفات: فمن يضمن ألا نطالب غداً بعودة البنزين إلى الأسواق، ولو على حساب رفع الدعم، للتخلّص من حالة الشح وطوابير الذل أمام المحطات؟ ومن يضمن أن لا يكون هاجسنا عودة الكهرباء، ولو كان الثمن الخروج من الدعم المقدّم حالياً لاستيراد الفيول؟


أمام هذا المشهد الذي ترسمه المبادرات والقرارات المبعثرة، نعود إلى السؤال الأهم:

من يدير المرحلة اليوم؟

الجميع؟ ربما.

لا أحد؟ ربما كذلك.

قد تصحّ أي من الإجابتين، أو ربما الإجابتان معاً. وقد يكون هذا بالضبط ما يجب أن يراه الرأي العام في أكثر المراحل حساسيّة، أي المرحلة التي تحسم وجهة توزيع الخسائر. وقد يكون ذلك بالتحديد، أحد أهداف الفراغ المريب في السلطة التنفيذيّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تعليق

سوريا

زياد ماجد
ضابطا موساد يكشفان تفاصيل إضافية حول تفجيرات «البيجرز» واللاسلكي
16,200 شخص في نظام الأسد متورّط بارتكاب جرائم ضدّ الشعب السوري
السلطة الفلسطينية تحتجز 237 عنصراً رفضوا المشاركة بعمليّة جنين
القوّات الإسرائيليّة ترفع علم الاحتلال عند مدخل الناقورة
12 شاحنة مساعدات فقط دخلت شمال غزّة خلال شهرين