تحقيق طوفان الأقصى
هيا الريماوي وهلا الزهيري

هواجس على الحاجز

شهادات من الضفّة

6 شباط 2024

منذ بدء الحرب على قطاع غزة، يخرج الفلسطينيون من بيوتهم إلى أماكن عملهم مسكونين بالهواجس المتعلقة بالطريق وحواجزها.

ففي مناطق الضفة الغربية التي تعاني حصاراً مطبقاً منذ 7 أكتوبر، قد تتعرّض لإطلاق نار على الحاجز بسبب شكوك راودت جندياً، وقد تتعرّض للضرب أو للاعتقال أو يضيع معظم يومك وأنت عالق في سيارتك تنتظر أن يفتح الجندي الحاجز.

حتى مطلع العام 2023، وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 565 عائقًا أمام الحركة والتنقل في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وشملت 49 حاجزًا يتمركز أفراد القوات الإسرائيلية أو الشركات الأمنية الخاصة عليه بصفة دائمة، و139 حاجزًا يتمركزون عليه بين الحين والآخر، و304 متاريس طرق وسواتر ترابية وبوابات طرق، و73 جدارًا ترابيًا وعائقًا على الطرق وخندقًا. وهذه كلها إجراءات تسبق 7 أكتوبر.


«التأثير على أكثر من مستوى؛ نفسي واجتماعي ومالي، لا نعيش حياة طبيعية والحاجز يأخذ كلّ وقتي ونعيش حالة طوارئ داخل منازلنا»، تقول منار عطاري (اسم مستعار) مضيفةً إن حياتها قلبت رأساً على عقب منذ بدء الحرب، ويومها يبدأ باتصالات للتأكد إن كان الحاجز مفتوحاً.

منار أمٌّ لخمسة أطفال أكبرهم في العاشرة وأصغرهم ثلاثة توائم لم يتجاوزوا العامين، وهي موظفة تسكن في بلدة عطارة شمال رام الله، التي تبعد في الوضع الطبيعي ثلاثين دقيقة عن مكان عملها في رام الله لكنّها أصبحت الآن تستغرق أوقاتاً مضاعفة تصل إلى ثلاث ساعات. ويتخلّل هذه الرحلة، إيصال أبنائها الكبار إلى المدرسة داخل البلدة نفسها، ثم توائمها إلى حضانة أطفال في بلدة بيرزيت، أي في منطقة بعد الحاجز، ثم تتوجه إلى مكان عملها.

نحسب مئة حساب للحاجز، وتقتصر حركتنا على الضروريات، وأضطرّ غالباً للخروج من عملي قبل انتهاء الدوام، ما يعني خضم ساعات عمل، لكن ذلك غير مهم في سبيل ألا أتأخر على أطفالي أو أن يغلق الحاجز بشكل مفاجئ في الوقت الذي يحتاج فيه أحدنا استخدام الحمام مثلاً.

يضاف إلى ذلك كلّه مضايقات التفتيش اليومي صباحاً ومساءً وفحص الهويات الشخصية لدى بلوغ نقطة التفتيش، بالإضافة إلى التكلفة المادية نتيجة إغلاق مداخل القرية وسلوك طرق بديلة طويلة او الوقوف وقتاً طويلاً مكاننا على الحاجز.


تعرّض الشاب محمد عنساوي للضرب المبرح على الحاجز لأنّه لا يملك تطبيق تلغرام.

محمد، وهو من بلدة عبوين شمال غرب رام الله، كان في طريقه إلى المنزل بعد انتهاء عمله الساعة التاسعة مساء. وبين قريتي جلجيليا وسنجل، وضع جنود الاحتلال «حاجز طيار» لتفتيش السيارات: «وقفت عالحاجز وأعطيتهم هويتي، حكولي بدناش الهوية، صف ع جنب... اطفي السيارة وأعطينا تلفونك».

أمسك أحد الجنود الهاتف وهو يسأل عن تلغرام الذي لم يجده بين التطبيقات، معتبراً أن محمد قام بحذفه عندما رآى الحاجز خوفاً من أمر معين. وأثناء ذلك، فتح الجندي محادثة لإحدى المجموعات على تطبيق «الواتساب» التي تداولت صورة للشهيد وديع الحوح- أحد المقاومين في مجموعة عرين الأسود- وهنا قام الجنود بسحب محمد من المركبة.

«كان تقريباً في عشر جنود، كلهم بلشوا يضربوني، بطحوني على الأرض وضربوني ببساطيرهم على كل جسمي، وأحد الجنود حط إيديه على رقبتي وخنقني وهو يصرخ: موت موت، حاولت أبعده عني ودفشته، فضربني بالبارودة على راسي ووجهي». بعد أن بدأ الدم يخرج من رأس محمد وكاد أن يغشى عليه، تركه جنود الاحتلال على قارعة الطريق قبل أن ينقله أحد المارّة إلى المشفى لتلقّي العلاج.

يُذكَر أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية قد ذكرت في تقرير لها إن قوات الاحتلال الإسرائيلي أخذت بعد السابع من أكتوبر تفتش هواتف الفلسطينيين على الحواجز، وتبحث فيها عن أي منشور أو صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تؤيد المقاومة أو تناصر أهالي غزة، فوجود موادّ كهذه كفيل باعتقال صاحب الهاتف، وتوجيه تهمة «التحريض على العنف» له، أو إبراحه ضرباً وتحطيم هاتفه. 

ومع تحول تلغرام إلى المنصة الأبرز لتناقل الأخبار والمعلومات في هذه الحرب، أصبح جلّ تركيز جنود الاحتلال منصبّاً على وجود التطبيق على الهاتف. واليوم، أصبح وجوده كفيلاً بالتعرض للضرب المبرح أو الاعتقال، من دون أن يكلف جنود الاحتلال أنفسهم عناء فتح التطبيق للاطلاع على محتواه.


بحُكم عمله، يتنقل زكريا عرابي، وهو شاب مقدسيُّ، بين مدينتَيْ رام الله والقدس بشكل يوميّ. بحسب زكريا، تحوّلت الأوضاع على حاجز قلنديا المقام شمال القدس إلى جحيم بعد السابع من أكتوبر، فالوقت الذي كان يقطعه على الحاجر تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ «طوفان الأقصى».

«إذا بدي أقطع الحاجز الساعة 8 الصبح بدي أكون الساعة 5:30 قدام الحاجز، الطريق اللي كانت تاخد معنا نص ساعة هلق بتاخد ساعتين وتلات». 

قبل السابع من أكتوبر، كان التفتيش على حاجز قلنديا يتمّ بشكل روتيني. أما الآن، فيستغرق تفتيش السيارة الواحدة أكثر من 15 دقيقة. يقوم الجنود بتفتيش المركبة بشكل دقيق وصولاً إلى«كوشوك» السيارة، وذلك بوجود شرطة الاحتلال لتحرير مخالفات «عن جنب وطرف» بحسب عرابي. 

أما بالنسبة للعودة من القدس إلى رام الله، فأصبحت أكثر صعوبةً. فحاجز قلنديا يُغلَق بشكل كامل في تمام الساعة الخامسة مساءً: «لو كان في ألف سيارة عالحاجز عالخمسة بالدقيقة يتم إغلاقه ويجبرونا على سلوك طرق تانية».

أما الطرق الالتفافية للوصول إلى مدينة رام الله فهي مليئة بالحواجز التي لا تقل إجرائاتها عن حاجز قلنديا، بالإضافة للأزمات الكبيرة بسبب فتح طرق خاصة لتأمين مرور المستوطنين.

«كنت أعمل على مدار اليوم أما الآن توقفت عن العمل المسائي الطرق مليئة بالمستوطنين الذين يتعرّضون لنا بشكل مباشر».

يُذكَر أنّ حاجز قلنديا يُعتبَر أحد أكبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وهو مقام جنوب مدينة رام الله على الطريق التي تصلها بمدينة القدس المحتلة.


يعمل معتز شاهين سائقاً عمومياً على خط الخليل- رام الله منذ 9 سنوات، لكنّه لم يشهد ظروفاً مثل التي يمرّ بها حالياً أثناء التنقل بين المحافظات.

«الطريق التي تستغرق ساعة ونصف أصبحت تحتاج إلى 3 ساعات الآن عدا عن عمليات التفتيش والتنكيل بالمواطنين، التي تصل حدّ الضرب المبرح، كما حصل مع شابين كانا معي بالتاكسي في إحدى المرّات حيث طلب جيش الاحتلال منّي ركن السيارة جانباً وتسليمهم المفتاح بعد تفتيش هوياتنا ثم طلب من الشابين النزول وتم ضربهما بشكل مبرح قبل السماح لهما بالعودة».
يرى شاهين أن «حاجز الكونتينر» يُعَدّ الأسوأ، إذ لا يكاد يمرّ يوم دون اعتداءات في هذه النقطة العسكرية أو إغلاق الحاجز لوقت طويل وعرقلة الحركة. حاجز «الكونتينر» العسكري مقام شمال شرق بيت لحم على الطريق الرابط بين جنوب الضفة الغربية ووسطها.


نوّهت ورقة سياسات صادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان «الحواجز والإغلاقات وتقييد الحركة في الضفة الغربية بعد 7 أكتوبر» أنه في حال استمرّت سياسة التقييد والحواجز، قد تشهد المناطق الفلسطينية حركة هجرة داخلية من الأرياف ومناطق «ج» وبعض مناطق شمال الضفة وجنوبها إلى مراكز المدن الأساسية، وبالتحديد رام الله، كي يتمكّن العاملون من الاستمرار في عملهم. يعيدنا ذلك إلى سيناريو الانتفاضة الثانية، وظهور أحياء شعبية جديدة في مدينة رام الله والمدن الأُخرى، يسكن فيها القادمون من الأطراف في سياسة تهدف إلى تعميق التقسيم والتمزيق الجغرافي والاجتماعي والسياسي بين مدن الضفة الغربية، وتعزيز عزلها جغرافياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وتكديس الفلسطينيين في مراكز المدن (مناطق أ) حسب تصنيفات اتفاق أوسلو.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
هكذا أصبح نتنياهو وغالانت مطلوبَيْن للعدالة
12 غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت
5 تُهم ضدّ نتنياهو وغالانت 
الاتحاد الأوروبي: قرار المحكمة الجنائية مُلزِم لكلّ دول الاتحاد