مع هذا السؤال، ينتهي فيديو «شعار «كلن يعني كلن»: من الـ2005 إلى الـ2019» الذي يروي تاريخ هذا الشعار الذي بات العنوان السياسي الأساسي لثورة تشرين.
[youtube]uhu4Qh7WbZo[/youtube]
فماذا عن جمهور الأحزاب، إذن؟ هذا الجمهور الذي:
نزل إلى الساحة يومًا ليستمع إلى خطاب سيّده، ثمّ ترك الساحة بأمر منه
سكّر الطرقات في بعض المناطق بصفته «الأهلية»
انكبّ على الخيم تدميرًا وحرقًا دفاعًا عن أستاذه
صعد إلى بعبدا ليقول لصهر الرئيس إنّه يحبّه
ما زال يراقب الثورة من وراء شاشات التلفزيون
جمهور الأحزاب هو جماهير متنوّعة بطريقة ارتباطها بأحزابها، وإن كان ما يجمعها اليوم هو علاقة تبعية لأحزاب باتت جميعها «أحزاب سلطة»، وإن كانت خارج الحكم، أحزاب تواجه أعمق أزمة في شرعيّتها منذ انتهاء الحرب الأهلية.
لم تكن الأحزاب السياسية كذلك طيلة العقود الأخيرة. ففي تسعينات القرن الفائت، قامت الحركة الاحتجاجية على تماهٍ خجول مع بعض الأحزاب السياسية التي وقعت ضحية عملية إقصاء، كالتيار العوني والقوات اللبنانية.
أصبحت الأحزاب أكثر مركزية مع احتدام الخلاف السياسي، قبل أن تصبح محورية مع صعود تحالفَيْ 8 و14 آذار. ودار في فلك تلك الأحزاب تجمّع من القوى المدنية والمستقلين الذين رأوا في الأحزاب رافعةً شعبيةً لخطابهم الإصلاحي.
في هذا المناخ السياسي، لم تكن الأحزاب أجساماً غير مرغوب فيها، بل ماكينات سياسية ذات شرعية اجتماعية لا بد من الاعتراف بها.
لم يدُمْ الرهان على الأحزاب، وبدأت تتحوّل تدريجيًا إلى «أحزاب سلطة» أقصت المستقلين من فلكها وأنهت التنوّع داخلها. انتقل الوضع السياسي من حالة مواجهة بين مشروعَيْن سياسيَّيْن إلى حالة من «الوفاق القسري»، أظهر التشابه البنيوي بين تلك الأحزاب، رغم الاختلافات السياسية. وترافق هذا التحوّل مع تغيير في بنى الأحزاب، قام على تلخيص الطائفة بالحزب والحزب بزعيمه.
تحوّلت الأحزاب إلى ماكينات حكم، تتنافس في ما بينها وتتوافق على منع أي اختراق من خارج صفوفها.
جاء شعار «كلن يعني كلن» ليلتقط هذا التحوّل ويعترض عليه. فإذا وضعنا جانبًا التفاصيل السياسية لبروز هذا الشعار وعلاقته الملتبسة بحزب الله، فهو بالعمق موجّه ضد بنية أحزاب باتت تشكّل خط الدفاع الأول عن نظام محاصصة وفساد يشترك فيه الجميع، وإن كانوا يشتركون فيه في حالة تنافسية.
نجح هذا الشعار في فضح الأحزاب، ولكنّه بات اليوم يواجه سؤالًا عن علاقته بجماهير تلك الأحزاب. فمن الواضح أنّ الثورة أربكت تلك الجماهير وأضعفت علاقتها بماكيناتها الحزبية. كما أظهرت الثورة عمق أزمة الأحزاب وخطابها واستحالة تجاوبها مع تطلّعات جزء كبير من جمهورها. وهنا يكمن أحد تحديات الثورة، أي ابتكار خطاب وممارسات يمكن أن تستقطب من بات على حدود حزبه. الهروب من فخ «شارع» في وجه «شارع» لا يعني عزل «شارع» الأحزاب بل محاولة اختراقه، بطرق مختلفة ومنطق لامركزي.
بيد أنّه مقابل تحدّي الثورة، هناك تحدٍّ للحزبيين أنفسهم، تحدٍّ يقوم على إعادة التنوّع والاختلاف ضمن الأحزاب وكسر عملية تحوّلها إلى «أحزاب سلطة». بدل محاولة استمالة الثورة، ربّما كان المطلوب اليوم هو إعادة ابتكار خطاب وممارسات جديدة ضمن هذه الأحزاب تحاول أقلمتها مع الواقع الجديد. بيد أن هذا ليس على عاتق الثورة، بل على عاتق الأحزاب نفسها. فهل من ثورة داخلية تطال هذه الأحزاب أم أنّها باتت أجساماً عفنة لا تصلح إلا لمسيرة تمجيد لزعيم ساقط؟
الأرجح أنّ تلك الأحزاب لن تنجح في عكس العملية التي حوّلتها إلى «أحزاب سلطة»، فأصبحت أقرب إلى ملّة تمجّد الزعيم، تماماً كالمشهد الذي شهدناه في بعبدا الأحد الفائت.