نقد انفجار المرفأ
نادر فوز

انعدام المشاعِر في ذكرى 4 آب

3 آب 2022

لا عودة إلى مشهد حبّة الفطر الملوّن في السماء. 
ولا استعادة لمشهد الأشلاء المبعثرة. 
ولا استرجاع لصوت العويل فوق الدمار، والأنين تحت الركام. 

فلتكن الذكرى الثانية لمجزرة 4 آب من دون مشاعر، ولو أنها كثيرة ومتداخلة. 
فلتكن مناسبةً خالية من الهلع والقلق والألم والعجز والغضب والإحباط واليأس والبكاء. مناسبة بصفر مشاعر، لا لشيء سوى لأنّها تدور بنا في حلقة مفرغة. 

نهلع ونقلق، نتألم، فنشعر بالعجز، فنغضب ثم نُحبط ونيأس. ثم من جديد، في الدوامة نفسها، ولو سبق شعور آخر. حلقة تبعث على الإدمان. إدمان على المشاعر. إدمان على الدواء. إدمان على الهَرَب.  


لا مشاعِر في 4 آب، لأنّ الضحايا لا يبحثون عن عطفنا. مجزرة بهذا الحجم، لا تتطلّب إحساساً مرهفاً للتضامن مع ضحاياها وحقوقهم. ليست حادثاً مرورياً أو فيضاناً. ليست قضاءً وقدراً. مذبحة وقعت ومعروف من المسؤول عنها. إبادة جماعية، واضحة المعالم والتفاصيل. والظروف التي لحقت بها، سياسياً وقضائياً، تؤكد ذلك. 

لا مشاعِر في 4 آب، لأنّ التحقيق خالٍ منها. في عمل القضاء والتحقيق والادّعاء والاتّهام وتحميل المسؤوليات، لا مشاعر. أقلّه هذا ما تعلّمناه في الكتب. وعلّ القاضي طارق البيطار، يقدّم مثلاً فاعلاً عن ذلك. نعرف أنه لم يتأثر بالحملات المساقة ضدّه. نعلم أنّ كل فخفخة الضباع من حوله لم تُرهبه، حتى تلك التي جاءته من قصر العدل. نعرف أنه حبيس منزله، حرفياً، منذ كانون الأول الماضي. يعدّ ما يلزم للجولة القضائية المقبلة، بعد سقوط سطوة الميليشيات على القرار السياسي في العرقلة القضائية.

لا مشاعِر في 4 آب، لأنّ العدالة لا تستوجب قلباً. العدالة، في حالتنا، لا تعني رفع الظلم. باتت تعني ثأراً علنياً، شخصياً وعاماً، من مرتكبي المذبحة. المسؤولون عنها لا يفهمون سوى المعاملة بالمثل. هكذا وصلت هذه السلطة إلى الحكم، بعد أن ردّت المحاور والمجازر والاغتيالات بأخرى. ثم اجتمعت في مجلس واحد، وضعت التفاهمات، و«عفا الله عن ما مضى».

لا مشاعِر في 4 آب، لأنّه حكم الميليشيات. المشكلة في المسار القضائي، الذي ينتظره اللبنانيون لتحقيق العدالة في مجزرة انفجار مرفأ بيروت، أنّ القانون وضعته ميليشيات بثياب عسكرية ومدنية لتحمي نفسها. القوانين، عادةً، يسنّها المشرّعون لكي تبسط منطق الدولة. لكن في حالتنا، الميليشيات سنّت القوانين ووضعت الدستور، وتحكُم شرعياً. تحتمي بميليشيا كبرى، والباقي تفاصيل. 

لا مشاعِر في 4 آب، لأنّ هذا هو عَرض السلطة لنا. ميليشيا، عابرة للحدود، مؤثّرة بالأمن الاستراتيجي في المنطقة، تصارع الإمبريالية والاستكبار العالمي، تحشر رأسها في رأس قاضٍ أربعيني لمنعه من التحقيق. ممنوع التحقيق، ممنوع العدالة، ممنوع المحاسبة. وإذا كنتم بحاجة لتنفيسة، فهناك المشاعر. «أنا سبّوني ما في مشكلة»، قيل لنا منذ سنتين. نفّسوا عن غضبكم بهذه العشوائية واللحظوية العابرة. أما جمهورنا، فسيخزّن مشاعره ليفجرها حسب الأجندة ومواقيتها.

صِفر مشاعِر في 4 آب، لأنّ المشاعر تخبو، وهذا الرهان الأخير لسلطة الميليشيات. 

بين 5 آب 2020 واليوم، استدرجتنا السلطة إلى فخّ المشاعر. فغداة المجزرة، كان الرهان على استيعاب المشهد. 
في 8 آب 2020، خلال التشييع الشعبي للضحايا، كان الرهان على تنفيس الغضب. 
خلال مرحلة الانقضاض على المحقق العدلي الأول فادي صوّان، أصبح الرهان هو اختبار للنَفَس والقدرة على التحمّل. 
مع الدخول بمرحلة عرقلة تحقيق القاضي طارق البيطار قضائياً، بات الرهان على المَلَل، ومن ثم الإحباط واليأس. 
ومع الإهمال المتعمّد لمبنى الأهراءات، بات الرهان على انهيار القضية معه.

وقت العواطف انقضى. 

آخر الأخبار

مختارات من الصحافة الإسرائيلية 25/4/2024 
بلدة حانين تشيّع مريم وسارة قشاقش
الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام المحكمة الجعفرية
تيك توك: سنطعن بقرار الحظر الأميركي 
الشرطة تعتقل طلّاباً وصحافيّاً في جامعة تكساس
مجلس النوّاب يطيّر الانتخابات البلديّة للمرّة الثالثة