طُرد شيخ من اعتصام نسوي دعمًا للنساء* النجمة مضافة لتشمل الكويريات/يين والعابرات/ين. الإيرانيات، وانهالت تهم «الإقصاء والعنف» على النسويّات*. لكنّ فعل طرده لم يكن وليد لحظة غضب. هو خلاصة مسيرة طويلة من الصراع النسوي، لتسييس مساحاتها وحمايتها.
مساحات نسوية*
أتذكر، في بداية انخراطي في النشاط النسوي، أنّ أحزاب السلطة كانت تُدعى إلى المسيرات التي كانت تنظّمها الجمعيات النسائية. كان فريق 8 آذار يشارك في التحرّكات المرتبطة بالجنسية. أمّا تلك المرتبطة بالعنف الأسري، فكانت من نصيب فريق 14 آذار. كانت هذه الأطراف تمشي في الصفوف الأمامية للمسيرات، وتُقدّم لها مساحات من المفترض أن تكون «لنا»، لتلقي بياناتها ودعمها الكاذب لقضايا دون أخرى. يومها، كانت الجمعيات تعطي شرعية لأحزاب السلطة لتسجيل مواقف ضد بعضها بعضاً على حسابنا، نحن النساء.
في مراحل لاحقة، ساهمت هذه الجمعيات بدعم الأطراف التي تساهم بالقمع والعنف ضدنا. مثلًا، قامت منظّمتا «كفى» و«أبعاد»، بتنفيذ مشاريع مع الأمن العام، ثم لاحقًا مع رجال الدين. وهكذا بطريقة غير مباشرة كانت تساعد في تمويل من هم سبب أساسي في حرماننا من حقوقنا، وللعنف الذي يمارَس ضدنا. في هذا السياق، ليس مهمًا إن كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. فمعظم الجمعيات تقوم بالتطبيع مع السلطة، ما يطرح الكثير من الأسئلة حيال عمل الجمعيات وعلاقاتها بالسلطة وكيفية انتقاء الحقوق. فلا أذكر، مثلًا، أي طرح لهذه الجمعيات عن حق النساء بالإجهاض أو عن حقوق الكويريات/يين، هذا عندما لا ترسّخ صورة نمطية للمرأة في حملاتها، صورة تستجدي الحقوق من السلطة الذكورية، بدل محاربتها.
لهذه الأسباب وغيرها، وخلال سنوات عديدة وطويلة ناضلت النسويات*، وما زلن، لخلق مساحة لنا، خالية من الذكورية. مساحة لا يُقاطَعنَ فيها من رفاقهنّ الذكور أو لا يُسكَّتنَ أثناء النقاشات، مساحة لا تملى عليهن فيها أفعالهن ولا تحدَّد عنهنّ الأولويات، مساحة لا تستغلها الأحزاب لتمرير أجندتها على حسابهن، ولا تهيمن عليها الجمعيات بمطالب منخفضة السقف وخطاب أقل ما يقال عنه أنه «انبطاحي».
تحرّكات نسويّة*
بفضل التراكمات لعمل النسويات*، أصبح لنا مع الوقت مساحة مستقلّة، نوعًا ما، عن كل ما سبق. كلّفت المساحة من سبقنا من النسويات* كثيرًا من الخيبات والمعارك والجهد و«حرق الأعصاب»، لكنّها أنتجت فعالية سياسية وتنظيمية. فإذا نظرنا إلى معظم التحرّكات التي حصلت في السنوات الماضية، سنجد أنها كانت من تنظيم النسويات*. ولا نتكلم هنا عن تحركات معنية بشكل مباشر بقضايا المرأة فقط، بل عن تحرّكات شملت أيضًا مناهضة العنصرية، ودعم حقوق اللاجئين/ات، والتضامن مع الثورات في بلدان أخرى. فأي صراع يجب أن يكون شاملًا، ولا يمكننا تحييد القضايا أو تجزئتها عن بعضها بعضاً. فهي جميعها نتاج النظام الرأسمالي والأبوي.
هذا لم يمنع، في مناسبات عدّة، بعض الأطراف من محاولة التعدّي على هذه المساحة لتمرير مواقفها وأجنداتها على حسابنا.
- ففي أحد التحرّكات النسوية*، حضرت بعض الجمعيات بـ«اللوغو»، وقررت أن تستفيد من هذا التحرك لإطلاق أغنية تسوّق لحملة لها، الأمر الذي وقفت في وجهه النسويات* ومنعنَ حصوله.
- في تحرّك آخر ضد التطبيع أمام السفارة الإماراتية، أتى فجأة شخصان وقفا أمام الكاميرات رافعين صورة كبيرة لعماد مغنية وحسن نصرالله، وسط سخط المتظاهرات، قبل أن يتمّ طردهما.
- أما في الاعتصام الأخير الداعم للنساء* الإيرانيات، قرر الشيخ عباس يزبك المشاركة في الاعتصام، على الرغم من تبلّغه مسبقًا أنه غير مرحَّب به. لكنه، وبكل ثقة، أتى باسمًا مع بعض المرافقين ليقف في الصف الأمامي أمام الكاميرات مهيّئأ نفسه لإعطاء تصريحات للإعلام من مساحتنا نحن، وتحديدًا من اعتصام ضد الأبوية التي تتمثل بالسلطة ورجال الدين.
طرد الشيخ
طُرد الشيخ يزبك من الاعتصام، لنفاجأ في اليوم التالي بأنه أصبح هو الخبر الأساسي للاعتصام. وانهالت علينا تهم «الإقصاء والعنف».
الإقصاء وحماية المساحة: أن تقصي أحدًا يعني أن تعزله عن عامة الناس، أن تمنعه من المشاركة الكاملة في جميع جوانب الحياة. نحن كنساء*، لطالما تعرّضنا للإقصاء من حقوق كثيرة ومن العديد من الأمكنة. فهل محاولتنا حماية مساحتنا الصغيرة من رموز السلطة، الذين هم سبب قمعنا، يسمى عنفًا وإقصاء؟
رجل ذو امتيازات: لم يُمنَع الشيخ من حقه بالممارسة السياسية أو الاجتماعية. لكن ما حصل هو أن رجلًا ذا امتيازات، آتياً من مؤسسة دينية، ولديه العديد من المنابر للتعبير منها، أبى إلّا أن يستحوذ على مساحة غيره، لتمرير آرائه الشخصية والسياسية على حسابنا. فهل طردُ المتسلقين من مساحتنا هو إقصاء فعلًا أم أن مجيئهم إلى مساحاتنا هو تعدٍّ عليها وعلينا؟
استغلال قضايا المرأة: في بحث سريع على غوغل وعلى صفحاته على مواقع التواصل الالكتروني، لا نجد للشيخ يزبك إلا مواقف ضد حزب الله والنظام الإيراني. لا يوجد لهذا الشيخ أي تصريح عن المرأة وحقوقها، ولا موقف من المحاكم الجعفرية ولا عن حق المرأة في منح الجنسية أو الإجهاض أو عن الكويرية. هل يكفي أن يكون ضد النظام الإيراني ليأتي إلى مساحتنا خاطفًا الأضواء ليعلو صوته على صوتنا في مسيرة من تنظيمنا؟
تصوير طرد الشيخ على أنه عنف وإقصاء، أقلّ ما يقال عنه أنه رأي سطحي ومخزٍ.
العنف هو ما تتعرّض له النساء من انتهاكات من قبل المحاكم الدينية.
العنف هو السكوت عن الجرائم بحق النساء.
العنف هو التعدّي على المساحة الوحيدة التي تحاول النسويات* خلقها لربط النضالات ضد النظام الرأسمالي ورموزه.
طرد الشيخ ليس عنفًا، العنف هو ما تمثّله العمامة على رأسه، ووجوده ما هو إلا استفزاز وتهديد لنا كنساء وكويريات/يين. إصراره على البقاء لفرض وجوده، وتجاهله لرفضنا، ما هو إلا تجسيد للذكورية عبر إسكات أصواتنا واحتلال مساحاتنا.
يسمّونه عنفًا وإقصاءً، نسمّيه حريةً وعدالةً ودفاعًا عن النفس. فحقّنا الطبيعي، نحن اللواتي نتعرّض يوميًا لكلّ أنواع العنف والإقصاء، أن نطرد كلّ منتهز يريد الهيمنة على مساحتنا بكل الوسائل المتاحة.