تعليق إيران
طارق أبي سمرا

حروبنا على أرض الآخرين

24 حزيران 2025

من منظور لبناني، تبدو الحرب المستعرة بين إسرائيل وإيران شأناً داخليّاً بامتياز، وليس نزاعاً إقليميّاً يُهدّد المنطقة بأسرها. صحيح أنّنا نتابعها كمتفرّجين، لكنّنا لا نراها حدثاً خارجيّاً، بل مباراةً بين فريقَي كرة قدم محليَّين. وبما أنّنا متفرّجون، فإنّنا نخوض هذه الحرب بمشاعرنا وحدها.

الابتهاج والشماتة: هذان هما الشعوران اللذان يتملّكان عادةً مشجّعي الفريق الفائز. لكنّ المفارقة في هذه الحرب هي أنّ هذين الشعورَين يستوليان، في الآن عينه، على مشجّعي كلا الطرفَين، كما لو أنّ إسرائيل وإيران تقتربان معاً من تحقيق النصر. ولعلّ في هذا شيء من المنطق: فإيران تعرّضت لضربات قاسية شملت العديد من منشآتها النووية والعسكرية، واغتيل كُثر من قادتها، وقُتل من مدنيّيها ما يفوق الستمائة. أمّا إسرائيل، فمع أنّ ما أصابها من دمار وقتْل يبقى أدنى بكثير ممّا لحق بعدوّتها، فهو غير مسبوق في تاريخها. لكلّ جمهور، إذاً، ثمّة ما يُهَلَّل له.

لكنّ انتشاء المُتفرِّج برؤية الضربات تنهال على مَن يعدّه عدوَّه الرئيسي، ليس إلّا شماتة العاجز الذي يبحث في مشاهد الدمار عن طريقة لإنكار عجزه. فمن يُهلِّل لصواريخ إيران وهي تتساقط على تل أبيب، إنّما يفعل ذلك لتخدير إحساس مرير بالضعف والمهانة، خلّفته مجازر إسرائيل في لبنان وغزّة. الأرجح أنّه يدرك، في زاوية من عقله، أنّ هذه الحرب لامتكافئة، وأنّ إيران في وضع لا تُحسد عليه، لكنّ رؤية عدوّه يتألّم تمنحه لذّة لطالما اشتهاها.

أما مَن يبتهج بالهجمات التي تستهدف إيران، فتُحرّكه دوافع أشدّ تعقيداً والتباساً. ذاك أنّه قد يرى في إسرائيل عدوّاً، إلّا أنّ نقمته على ما ارتكبه «محور الممانعة» في لبنان وسوريا والعراق وسواها من البلدان تسوقه إلى اعتبار إيران العدوّ الأخطر. هذا اللبناني الساخط على هيمنة حزب الله على دولته وبلده، والذي يحمّله مسؤولية الحرب الأخيرة مع إسرائيل، يرى اليوم ما يظنّه بداية انهيار النظام الإيراني، فلا يسعه سوى الفرح بذلك، مُتلذذاً بألم عدوّه – رغم أنّه ألمٌ يُنزله به عدوّ آخر. إنّه يستمتع بما كان يتوق إلى تحقيقه وعجز عنه.

لكنّ العدوّ ليس خارجيّاً فحسب، فلكلٍّ مِن الجمهورَين عدوّه الداخليّ أيضاً، وهو الجمهور المقابل. لذلك فإنّ شعور الشماتة الطاغي في هذه الحرب إنّما هو، إلى حدّ بعيد، شماتة فئة من اللبنانيين بأخرى– بل شماتة متبادلة بينهما. فحين تُقصف إيران أو يُقتل أحد ضبّاطها، يغتبط البعض تشفّياً مِن «الممانعين» وأنصار حزب الله وبيئته، أي أولئك الذين يُعَدّون «عملاء إيران». وحين تنهال الصواريخ على إسرائيل، تنفرج أسارير البعض الآخر تشفيّاً مِن خصوم حزب الله وإيران، أي أولئك الذين يُعتبَرون «صهاينة الداخل».

هكذا تصبح كلّ ضربة تُوجَّه إلى هذا البلد أو ذاك انتقاماً لفئة لبنانيّة مِن أخرى: كأنّها حربنا الأهلية نخوضها بالوكالة عبر الكيان الصهيوني ونظام الولي الفقيه– كأنّ الدولتَين المتحاربتَين لا شاغل لهما سوى التنفيس عن أحقادنا والأخذ بثاراتنا القديمة المتجدّدة. 

لكنّ هذا كلّه ينمّ، مرّة أخرى، عن عجز شديد، إذ أنّ انتقام أحدنا من الآخر إنّما هو انتقام مُتخيَّل محض: رغبة دفينة في الأخذ بالثأر لا سبيل إلى إشباعها في عالم الواقع، فتتغلغل إذّاك إلى المُخيّلة وتنتشر فيها كالسمّ، ما يحيل أيّ حدث سياسيّ، أكان تافهاً أم خطيراً، داخليّاً أم خارجيّاً، إلى مدعاة للتشفّي؛ أيْ إلى سحق متوهَّم للآخر لا ينجم عنه، تحديداً لأنه متوهَّم، سوى مزيد من الرغبة في سحقه.

لذلك لا مبالغة في القول إنّ الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران تُشكّل فرصة استثنائية لنا لارتكاب مجازر مُتخيّلة بحق بعضنا بعضاً. هكذا يدخل الشرق الأوسط عصراً جديداً يصفه البعض بالإسرائيلي، عصراً يُنذر بتفكك الدول القومية، وبمزيد من الاضطرابات والحروب والاقتتال الأهلي، فيما لا يُبصِر اللبنانيون العالم سوى من منظار ضغائنهم المُتوارَثة والمُتناسلة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
استهداف إسرائيلي في العيرونية، قضاء زغرتا
الأساتذة المتعاقدون قابلوا مكتب سلام نتيجة اعتصامهم
كمين بيت حانون: العبوات الناسفة تقضي على 5 جنود وتُصيب 14 آخرين
اعتصام موظّفي مستشفى رفيق الحريري لقبض رواتبهم
نتنياهو يسمّي خطّة التهجير «خياراً حرّاً»
نتنياهو لترامب: أُرشّحكَ لجائزة نوبل للسلام