تحليل سوريا
وداد سلوم

الخطف في سوريا

قبل السقوط وبعده

17 حزيران 2025

خطف النساء

أثارت صورة متداولة ملتقطة على طريق حلب لجثة امرأة عارية ملقاة على قارعة الطريق مخاوف عن حالات اختفاء نساء في سوريا اليوم. كما أثارت سجالات عن طبيعة هذه الأحداث، بين خطف حقيقي وحالات هروب أو اختفاء اختياري. كما أن للخطف الحقيقي ملابسات كثيرة من حيث الدافع، تتنوع بين الانتقام الشخصي والطائفي والكسب المالي. وهناك حالات لها أسباب مختلفة لن يكون مفاجئاً ان نتوقع أنها تتمّ بشكل عبثي أو منظّم للإتجار. وهذا متوقع أيضاً في ظل شائعات غير محققة تنتشر عن حالة سبي السوريات تأتي على خلفية ذاكرة سيّئة موازية عن سبي الإيزيديات وبيعهنّ على يد تنظيم الدولة الإسلامية.

وكانت قضية ميرا، الفتاة الحمصية من قرى تلكلخ، الأكثر رواجاً وإشكالية بين المتابعين، بين مَن صدّق أنّها حالة حب انتهت بزواج خارج إرادة الأهل وبين من شكّك واعتبرها حالة خطف، خاصةً بعد ظهور ميرا باللباس الغريب عن الوسط السوري والريفي تحديداً، أي اللباس الأفغاني، وذلك قبل أن تستبدله ميرا بحجاب عادي بعدما أشعلت السجالات صفحات التواصل. ومن ثمّ، ظهرت ميرا لتخبرنا أنها قصة حب، اضطرت أن تأخذ هذا الشكل جراء عدم تفهُّم الأهل وتعنيفهم في مجتمع يرفض الزواج من خارج الطائفة، ولم يطرح فيه الزواج المدني. 

ومع ارتفاع الأصوات التي تسلّط الضوء على حالات اختفاء النساء والأطفال، عادت فتيات إلى بيوتهنّ بعد غياب، وبقيت نساء اختطفن قبل أشهر دون عودة أو أي خبر، كالدكتورة رشا العلي التي اختفت في طريقها من البيت إلى الجامعة. وتأتي أهمية طرح هذه القضية من تهديدها المباشر لحالة الأمن في البلاد والاستقرار، إذ صار الخوف من استمرارها كبيراً وقائماً. فالحوادث لم تتوقّف، وما زالت يوميّة ومستمرّة في أماكن متفرقة، خاصّةً في الساحل، وتشكل تهديداً حقيقياً لحركة الناس.

ماذا عن حوادث الخطف الأخرى

بدأت حوادث الخطف مع الشباب الذكور، وقد مرّ كثير منها بلا أي تبرير أو إجراء رادع، وغالباً ما كانت على خلفية الانتقام أو الانتماء الطائفي. ففي 10 شباط، تم العثور على جثتي أمجد ومحمد شدود في مورك، بعد أن تم خطفهما من أمام منزلهما في حي كرم الزيتون في مدينة حمص، عند عودتهما من العمل في أحد المطاعم. وكان السؤال كيف تم نقلهما إلى مورك التابعة لناحية صوران في ريف محافظة حماه، وكيف مرت السيارة الخاطفة على كل الحواجز دون توقيف؟ 

وفي 19 نيسان، عُثِر على جثة الشاب عمار المحمد مقتولاً بطلقة في الرأس بعد أن اختفى في أثناء عمله على تاكسي عمومي في حي كرم اللوز بحمص وفي ذروة اكتظاظ مروري، مما يضع إشارات الاستفهام الكثيرة. وهناك عائلة كاملة خطفت من منزلها في حي السبيل في حمص في 3 نيسان، وتمّ قتلهم جميعاً (خمسة أشخاص). 

غالباً ما تنتهي قصص خطف الرجال في حمص بالقتل بعد التعذيب الجسدي، أو بطلب فدية كما حدث مع شاب كان متوجِّهاً إلى سوق الهال، تمّ إطلاق سراحه مقابل فدية مالية قدرها 50 مليون ليرة سورية ساهمت فيها الكنيسة. بين هذه الحوادث وقبلها وبعدها، حوادث كثيرة موثّقة وموجودة على صفحات التواصل الاجتماعي، وما زالت تُضاف إليها حوادث جديدة كل يوم.

لا شكّ أنّ سقوط النظام السابق قد خلّف حالةً من الفوضى العامة والانفلات الأمني الذي لم يكن الأمن العام والقيادة الجديدة قادرَين على ضبطه مباشرة. لكن هذا لا يبرر حالات القتل والخطف التي تحدث سواء بدافع الانتقام الفردي دون التحقق من ذنب الضحية أو محاكمتها، أو تحت مسمى الحوادث الفردية التي وصلت إلى الحد الذي يضع إشارات استفهام كثيرة.

هل نحن أمام حالة جديدة؟

لكن بالعودة إلى الماضي، من الجدير ذكره أن حالات خطف كثيرة كانت تحدث قبل سقوط الأسد وفي أكثر من محافظة ولأسباب مختلفة. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، كحالة خطف الطفل فواز قطيفان في درعا، والذي تمّ الإفراج عنه بعد ثلاثة أشهر من اختطافه عام 2022 بدفع فدية مالية. وفي حزيران 2024، تمّ إحصاء 113 حالة خطف منذ بداية العام. وحسب المصادر، احتلّت حمص المرتبة الأولى فيها (53 حالة) تليها محافظة درعا ومن ثمّ السويداء، وكان جزءاً من ضحاياها نساء وأطفال. وفي شهر آب من العام نفسه، تمّ تسجيل 12 حالة اختطاف في مدينة حمص.

غالباً ما ارتبطت هذه الحالات بدوافع الحصول على فدية وصلت إلى أرقام عالية بالعملة الصعبة، وطالت أحياناً أشخاصاً من جنسيات عربية مختلفة: عراقية وأردنية ولبنانية وفلسطينية وغيرها. وكانت منطقة حمص هي الأخطر لقربها من الحدود اللبنانية، إذ حصلت كثير من حوادث الخطف في منطقة البقاع اللبناني. كانت هذه العصابات تعمل في ظل تساهل قوى النظام السابق ومحاصصتها لها. كما تشير المعلومات إلى حالات خطف وطلب فدية كانت تحدث في مناطق سيطرة فصائل مسلحة في الشمال خلال عمليات التهريب الى تركيا. وهناك معلومات كانت متداولة عن تربُّح العصابات من اختطاف الأطفال للتجنيد أو لصالح شبكات الإتجار بالأعضاء. لقد كان ذلك يحدث على امتداد الرقعة السورية وتحت سيطرة كل الأطراف.

لا شكّ أنّ حالة الفوضى التي أعقبت السقوط جهّزت المناخ لعودة نشاط هذه العصابات على اختلاف ألوانها. ومع خطورة ذلك، لا بد من وضع الأجهزة الأمنية الجديدة أمام مهماتها الملحة. فمن البديهي بعد ستة أشهر من سقوط النظام أن يميل الوضع الأمني إلى الانضباط لأنّ عدم الاستقرار وتوفير الأمان يشكل تهديداً واضحاً للحياة الاجتماعية وللحريات العامة والخاصة ضمن النسيج الاجتماعي السوري الذي يعاني أصلاً ما يعانيه من تبعات حرب أهلية مستمرّة منذ 14 عاماً وقمع سياسي للحريات منذ عشرات السنين.

سيحتاج المجتمع السوري وقتاً ليس بالقليل للتعافي، على أن تباشر مؤسسات الدولة الجديدة ضبط الأمن بحيث تكون حياة الفرد، أيّ فرد، مصانة ومحميّة دون النظر إلى أي اعتبارات يكرسها انقسام المجتمع، وهو ما يعني الحاجة إلى دولة قانون وضبط التجاوزات خارجه.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
غزّة بهاتفي
محمود خليل يُقاضي إدارة ترامب
تحليل

الممانعة التي حوّلت بعض خصومها إلى مرآة لها

زياد ماجد
سائقو التوك توك:
10-07-2025
تقرير
سائقو التوك توك:
هل العهد الجديد ضدّ الفقراء؟
عقوبات أميركا على ألبانيزي: لماذا الآن؟
10-07-2025
تقرير
عقوبات أميركا على ألبانيزي: لماذا الآن؟
حدث اليوم - الخميس 10 تموز 2025
10-07-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 10 تموز 2025