قضية الأسبوع أحمد الشرع
ميغافون ㅤ

على خطى الأسد

سوريا الشرع

26 تموز 2025

نظام ما بعد الأسد أم ما بعد الثورة؟

قام النظام الحالي في سوريا على أنقاض نظام الأسد، واستمدّ شرعيته من كونه تخطّيًا للنظام السابق، وتجسيدًا لبعض طموحات الثورة السورية. وخلال الأشهر الأولى لحكم الشرع، شكّل «ادّعاء التخطي» هذا تبريرًا لممارسات النظام الصاعد، وذلك من خلال منطقين. الأول هو منطق المقارنة مع نظام الأسد، والذي برّر أي عنف أو انتهاك أو تخبط على أنّه أفضل من «العنف الإبادي» الأسدي. أمّا الثاني، فكان منطق «المرحلة الانتقالية»، والذي برّر الممارسات ذاتها لكونها سقطات تجري في هذا الوقت الضائع التأسيسي. 

لكنّ «التخطّي» يتطلّب الاختلاف عمّا يتمّ تخطّيه. فممارسات الشرع باتت تقترب، أو تعود، إلى ممارسات النظام السابق، سواء في تعاطيه مع المكوّنات السورية أو الاقتصاد أو الخارج. هناك اختلاف لا شكّ به، وهو الهوية الطائفية للحكم، والتي شكّلت للكثيرين سببًا كافيًا لاعتبار النظام الجديد تخطيًا للحكم الأقلوي السابق. لكنّ الممارسات القمعية، وإن تلطّت بحكم أكثريّ، تبقى ممارسات قمعية، ولا تشكّل انتقالًا إلّا لنظام قمعي. 

يومًا بعد يوم، يقترب نظام الشرع من ممارسات النظام السابق، ليشكّل تخطيًا فقط للطابع الأقلوي لنظام الأسد. ومع استعادة ممارسات النظام السابق، يكون الشرع قد تخطّى الثورة ومطالبها السياسية، ليفرض نموذجًا لنظام حكم استبدادي وأكثري.   


العنف ولجان الحقائق

لم يعد العنف مجرّد انتهاكات لفصائل خارجة عن سلطة الدولة أو تجاوزات ضمن مرحلة انتقالية ضبابية. تكرارها بات يشكّل ميزة النظام الجديد الذي يبدو أنه استنسخ من النظام السابق التعامل ذاته مع الاعتراض أو الانصهار. لكنّ ادّعاء النظام الجديد أنّه لن يقبل بالعنف كضابط للحياة السياسية، دفعه إلى تشكيل لجان تحقيق، هدفها تأكيد الاختلاف عن النظام السابق. 

لكن بعد 4 أشهر على المجازر، لم تأتِ لجنة التحقيق بأحداث الساحل السوريّ التي شكّلها أحمد الشرع إلّا بنتائج مخيّبة. رفضت اللجنة تسمية الفصائل المتورّطة بالمجازر، بحجّة أنَّ «المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته». اتّهمت اللجنة فلول نظام الأسد بالمشاركة بالمجازر، وكان هذا الطرف الوحيد الذي حلّلت اللجنة تسميته. أنكرت اللجنة أن تكون المجازر منظّمة، بل ادّعت أنها كانت من صنع عناصر «خالفوا الأوامر العسكريّة» بحماية المدنيّين. أنكرت اللجنة أيضاً أنَّ هذه المجازر كانت طائفيّة بحتة، علماً أنّها استهدفت بشكل أساسي أبناء الطائفة العلويّة، بل زعمت أنّها كانت ذات طابع «ثأري»، مذكّرةً إيّانا بجرائم نظام الأسد.

كان تقرير اللجنة بمثابة صكّ براءة لحكومة الشرع. فزعم أنَّ وزارة الدفاع كانت بغاية التعاون بمنح المعلومات اللازمة عن هويّة عناصرها الذي صوّروا أنفسهم وهم ينفّذون المجازر. تغزّل أعضاء اللجنة في مؤتمرهم الصحفيّ مراراً وتكراراً بجهود الشرع لتحقيق العدالة ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات وبسط سيادة القانون. لم يكن تحقيق اللجنة كافياً لا لإنصاف ضحايا المجازر، ولا لردع الفظائع، ولا لحماية باقي السوريّين من أي مجازر مستقبليّة. وجاء بيان أهالي حيّي القصور والمروج في بانياس ليدحض خلاصات اللجنة، مؤكّدًا أنَّ جميع الانتهاكات، من قتلٍ وإعدام وسرقة وإذلال وتنكيل، حدثت تحت سيطرة أمنيّة كاملة لقوّات الحكومة السوريّة.


إعلام الشرع وشرعيّة النظام

شكّلت سيطرة نظام الأسد على الإعلام السوري، ومن خلاله على الحيزّ العام، إحدى ميزات نظامه الاستبدادي الذي كسرته الثورة من خلال بناء شبكات واسعة من الإعلام والتوثيق لاستعادة الحق بالكلام. ورغم أنّ الحريات الإعلامية ما زالت تسمح ببعض الاعتراض، بات واضحًا المنحى الإلغائي للنظام الجديد، واستعماله للإعلام «الرسمي» كأداة تبريرية. 

بعد صدور نتائج اللجنة المخيبة للآمال، هبّ «إعلام الشرع» لنجدة اللجنة وتحقيقها المضلّل. تقيّأت الإخباريّة السوريّة بحلّتها الجديدة تقارير عن سعادة وارتياح وتأييد أهالي اللاذقية وبانياس وإدلب لنتائج تحقيق اللجنة. احتفلت الإخباريّة بأوّل تقريرٍ «مستقلّ» في سوريا، وكلّها قناعة بأنّه ركيزة مؤسِّسة للمحاسبة في سوريا الجديدة. 

استمرّ الإعلام بلعب دوره التبريري بعد أحداث السويداء. بينما كان أهالي السويداء يمسحون الدماء عن حيطان بيوتهم، كان إعلام الشرع يروّج لتعاطف وزيرة الشؤون الاجتماعيّة هند قبوات مع عوائل العشائر المهجّرين، وظهورها بقميصٍ أبيض، في محاولةٍ لتطهير صورة حكومة الشرع التي كشفتها الفصائل الإرهابيّة على حقيقتها. بينما كان أهالي السويداء يحصون شهداءهم ويوثّقون نكبتهم، سارع إعلام الشرع لتداول صور وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وهو يوزّع الورود البيضاء على جرحى جيشه المُثقل بالدم. حاول إعلام الشرع إذاً دفن المجازر بالصور الجميلة والتقارير عالية الدقّة والإنجازات الخارقة.

كان إعلام الشرع، كما إعلام الأسد، ببّغاء يردّد كلّ ما ترميه الحكومة من معلومات مضلّلة وإنجازات زائفة وحقائق مجتزأة. وعندما لم تعُد الصورة مسيطراً عليها من خلال الإعلام الرسمي، هبّت الجيوش الإلكترونية لنصرة النظام الجديد، مستعيدةً تبريرات النظام السابق.


شقيق الرئيس والسيطرة على الاقتصاد

في كواليس كلّ هذا العنف، كان الشرع يُحكم قبضة عائلته على اقتصاد سوريا ومواردها، كما حوّل الأسد سوريا إلى مزرعة العائلة. شكّل حازم الشرع، شقيق أحمد الشرع، لجنة ظل لإعادة هيكلة اقتصاد سوريا، مثلما كانت أسماء الأسد قد استحكمت بأصول البلاد. وباتت هذه اللجنة السرية تتحكم بقرارات البنك المركزي، كما جمعت أصولاً تُقدّر بأكثر من 1.6 مليار دولار، من خلال عقد صفقات مع رجال أعمال من النظام المخلوع ومصادرة شركات وتكتّلات تجارية. رحل ماهر، شقيق الرئيس المخلوع، ليخلفه حازم، شقيق الرئيس الجديد في إدارة الاقتصاد كتكتل احتكاري، خارج عن أي مراقبة أو محاسبة. 

ويأتي هذا السياق من العنف الداخلي واحتكار الاقتصاد العائلي ضمن احتفاء إقليمي ودولي بنظام الشرع الذي بات يقايض «التطبيع» بدعم حكمه. ويذكّر هذا الاتكال على الخارج من أجل الاستحواذ على الداخل بسياسات الأسد، الأب والإبن اللذين بنيا استمرارية نظامهما على توازنات خارجية سمحت بالتغاضي تماماً عن أي شرعية داخلية. هنا أيضًا، يبدو الشرع وكأنّه يسير على خطى الأسدَيْن، وإن كان غيّر وجهة الخارج. 


شهراً بعد آخر، يقترب الشرع من الرجل الذي أسقطه، وكأنّ جاذبية السلطة الاستبدادية لا تقاوَم، حتى ولو كنتَ ضحيّتها في زمن سابق. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً