تحليل إعلام
سامر فرنجية

الغضب الأسبوعي

21 آب 2024

موجات من الغضب والاستهجان

أصبح الوضع روتينيًا. كل يوم، في مكان ما من هذا العالم، هناك فئة من الناس تتلقى خبرًا، غالبًا ما يكون محوّرًا أو حتى كذبًا، وتستهجن. تبدأ حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر خارج أي منطق أو رقيب، لتنتج حالة من الغضب والاستياء، قد تخرج في بعض الأحيان من شاشات التلفونات إلى الشوارع، عنفًا وجنونًا. آخر حفلة استياء وعنف حرّكتها اضطرابات بريطانيا، التي انفجرت بعد خبر كاذب عن هوية قاتل الفتيات الثلاث. قبلها، كانت هناك سجالات الأولمبياد حول ماهية المرأة أو ازدراء الدين المسيحي. وخلالها، كانت هناك الانتخابات الأميركية التي يخوضها الرئيس السابق دونالد ترامب تحت شعار استياء وغضب «الرجل الأبيض» من السطوة المزعومة لخطاب نسويّ ليبرالي قضى على الرجال. لكن لنعُد إلى بلادنا حيث أوقف «طوفان الأقصى» حملات من الكراهية كانت تطال الاختلاف بشتى أنواعه، أوقف أو علّق حتى إشعار آخر انتشار الكراهية العلني. لكنّ الحرب أنتجت «غضبها» الخاص حول النازحين، والذي تجلّى بمعارك وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي حول استقبالهم أو طردهم. لا داعي للوقوف عند أي حملة بتفاصيلها. غدًا حملة جديدة وموجة استهجان جديدة. 


الاستياء روح العصر

ما يجمع بين هذه الموجات المتفرقة من الغضب والعنف شعور عام بالاستياء. فوراء كل موجة من الغضب، هناك فئة، غالبًا ما تكون من الفئات المسيطرة، لم تعد تحتمل ما تراه هجومًا عليها وتآكلًا لحقوقها، فئة اعتبرت أن كيلها طفح، وبات كل شيء مباحًا أمام غضبها الذي لم يعد دفينًا. بريطانيون بيض ما عادوا يحتملون الهجرة التي «احتلّت» بلادهم وغيّرت عاداتهم. رجال ما عادوا يحتملون صعود خطاب نسوي «أضاع» الفارق بين الرجل والمرأة. مسيحيون ما عادوا يحتملون «ازدراء» دينهم في الغرب. لبنانيون ما عادوا يحتملون مجتمع الميم-عين الذي «يهدّد أطفالهم»، أو السوريين الذين «يهددون أشغالهم»، أو النازحين الذين «سيهدّدون ضِيَعهم». في عالمٍ رفعَ هوية «الضحية» إلى المنطلق الوحيد للمطالبة السياسية، مفرغًا السياسة من أي مفهوم للخلاف أو الصراع، بات الجميع ضحايا، حتى الطبقات المسيطرة. وفي سباق الضحايا هذا، يشكّل الاستياء التعبير العاطفي عن هذا الوضع السياسي ومطالبه المستحيلة. الجميع ضحايا، والمعيار الوحيد للتمييز بينهم هو مدى عمق حملة الاستهجان التي يمكن أن يطلقوها. 


وسائل الاستياء الاجتماعي

لهذا الشعور منظومة إنتاجه الخاصة، والتي تتمحور حول وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتها على تعميم أخبار كاذبة وتحويلها إلى مشاعر متفجّرة وتوصيلها إلى حميمية جمهورها. كُتب الكثير عن دور الأخبار الكاذبة في التأثير على نتائج الانتخابات، أو عن آثار انتشار شبكات التواصل الاجتماعي على الاضطرابات النفسية، أو دور هذه الشبكات بإرساء حالة عامة من الكلبيّة تبرّر أشنع الأنظمة السياسية. لكنّ هذا لم يعد من التأثيرات الجانبية لانتشار هذه التقنية من التواصل، بل بات يشكّل ربّما قاعدتها الأساسية. فعندما يكون صاحب إحدى أهم هذه الشبكات، إيلون ماسك، يتاجر بتلك الأخبار الكاذبة ومشاعر الخوف والعنف، من الصعب اعتبار تلك الآثار مجرّد خطأ يمكن إصلاحه ببعض القوانين أو لجان المراقبة. 

ربّما كان ما يجعل تلك التقنية الرافعة الأساسية لمشاعر الاستياء هو إمكانياتها للقفز فوق أي «وساطة»، أكانت تحريرية أو زمنية أو عاطفية، لتحويل الخبر، مهما كان بعيدًا عن متلقّيه، إلى حدث حميمي، يعيشه المتلقي وكأنّه موجّه ضدّه شخصيًا. هكذا يتحوّل حدث مثل افتتاح الأولمبياد إلى إهانة شخصية لمسيحيّ يستشعرها في حميمية غرفة نومه وهو يتصفّح الأخبار على هاتفه قبل النوم. إذا كان التلفزيون قد أدخل الأخبار إلى غرف الجلوس وخلق زمناً متجانساً مع تقنية «المباشر»، فإنّ التلفون أدخلها إلى غرف النوم وحوّلها إلى مشاعر حميمية. وفي غرف النوم، في عزلتها، يتطوّر شعور الاستياء.


فائضٌ من الغضب

نتيجة هذه التقنيات ودوران حفلات الغضب والاستهجان فائضٌ من الغضب، ينتظر أن ينفجر. فمع تسليح اليمين المتطرف لهذا الشعور وتقنياته، بات صعود هذا التيار السياسي في العالم محمولاً من استياء عارم، نتيجته الأوليّة الحدّ من امتداد الحقوق لفئات مهمّشة. أمّا نتيجته الأخرى، فهو تطبيع العنف كدفاع عن حقوق الفئات المسيطرة جندريًا أو طبقيًا أو عرقيًا. قد لا تنجح هذه التقنية انتخابيًا، لكنّها نجحت، حملةً بعد أخرى، تصريحاً بعد آخر، خبراً كاذباً بعد آخر، أن تعمّم استعمال العنف في السياسة. وهذا الفائض سيتطلب يومًا ما تنفيسه. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
لائحة بأسماء شهداء غزّة من 649 صفحة بينها 14 صفحة لأطفالٍ ما دون السنة
إسرائيل تبتزّ طالبي اللجوء الأفارقة
هوموفوبيا الجامعة اللبنانية تهدّد موقعها الأكاديمي رئيس الجامعة يمنع مناقشة رسالة عن المثلية
تصعيد إسرائيلي على الجبهة اللبنانية: جاهزون لاحتلال الشريط
جيزيل بيليكو تشكر داعميها: بفضلكم أواصل المعركة حتّى النهاية
الشتاء يقترب: موج البحر يطال خيام النازحين