بالنسبة للأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، هناك نوعان من المتظاهرين في شوارع لبنان.
النوع الأوّل، هو المتظاهر العفويّ الطيّب، ذلك اللبنانيّ الفقير الجائع الذي قاده وجعه إلى الشارع. هناك، هتف بحنجرةٍ غاضبة ليطالب بالطبابة والتعليم والعدالة الاجتماعية. وهو، لشدّة طيبته، لم يفقد ثقته بالطقم الحاكم الذي تعاقب على نهبه على مدار عقود، بل ما زال يصدّق- كما يريد له نصر الله- أنّ هذا الطقم ذاته يعمل ليل نهار لإعداد قانون استعادة الأموال المنهوبة.
هذا النوع ينتمي إلى ما يسمّيه نصر الله «الحراك»
النوع الثاني، هو المتظاهر السيّئ، ذلك اللبناني الذي لا يكتفي بتسوُّل لقمة عيشه، بل يريد تغييراً سياسياً يُسقط النظام الاقتصاديّ القائم على توزيع مغانم الدولة على الرعايا، والنظام السياسي القائم على التجديد الأزليّ لقوى أمعنت في إذلاله وتهميشه. لا يقبل هذا المتظاهر السيّئ بالاكتفاء بورقة اقتصاديّة ذات «إصلاحات» مؤقّتة وخادعة، كما لا يريد كيّ وعي المسؤولين، وفقاً للعبارة التي ابتدعها نصر الله، بل استبدالهم بمسؤولين بوعيٍ مغاير.
هذا النوع ينتمي إلى ما لا يريد نصر الله أن يسمّيه «الثورة»
النوع الأوّل، المتظاهر الطيّب نفسه، لا يحمل أيّ ضغينة ضدّ القوى السياسية التي اقترفت أو غطّت الاغتيالات السياسية في لبنان، والتي أقحمت البلد في قمع شعوب المنطقة، والتي سعّرت الاستقطاب الطائفي فيه. فهذه الأمور، تماماً كـ«النظام»، لا علاقة لها بالانهيار الاقتصادي الذي تسبّبت به مزاريب الهدر والفساد وحدها.
هذا النوع يتجنّب الهتاف كلّن يعني كلّن
النوع الثاني، المتظاهر السيّئ نفسه، تشاء الأقدار أن يكون على درجةٍ من السوء إلى حدّ اعتباره «حزب المقاومة» من القوى التي تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، سواء من خلال أدائه المباشر أو من خلال حلفائه السياسيين الذين فرضهم الحزب حكّاماً فوق العادة على الشعب اللبناني.
هذا النوع يهتف كلّن يعني كلّن، نصر الله واحد منّن
النوع الأوّل، يحبّه نصر الله. وكلّما جاع أكثر، كلّما أحبّه أكثر، لكن بشرطَيْن: ألا يمنعه جوعه من رفع قبضته إلى الأمام والهتاف: لبّيك نصر الله، وألا يدفعه ذاك الجوع إلى الخروج عن طور العفويّة الجارفة والطيبة المطلقة، والبدء بالمطالبة بإسقاط أسياده المتربّعين على عرش السلطة.
هذا النوع ينتمي إلى ما يسمّيه نصر الله «الحراك»
النوع الثاني، لا يحبّه نصر الله. فهو لم يتعلّم من تجارب الدول المحيطة، ومال زال مؤمناً بشعار الشعب يريد إسقاط النظام رغم كلّ ما فعله حزب نصر الله في سوريا كي يختفي هذا الشعار عن وجه المنطقة. وهو، لذلك، لا بدّ مرتبطٌ بالسفارات الغربية وبالسي. آي. إي، وتتقاطع مصالحه مع إسرائيل.
هذا النوع ينتمي إلى ما لا يريد نصر الله أن يسمّيه «الثورة»
في خطابه الأوّل، ربّت نصر الله أكتاف المتظاهرين، لكنّه رسم لهم الخطوط الحمر. في خطابه الثاني، خوّن نصفهم الأوّل، ودعا النصف الآخر للعودة إلى رشده. لا يحتاج المرء لكثير من التمحيص كي يعرف وجهة الخطاب الثالث. فبعد سوريا، بتنا نعرف أنّ الرجل مهنته المقاومة، لكنّ اختصاصه قمع الثورات الشعبيّة.