من انتصار إلى انتصار، يمضي. في العراق، هزم الاحتلال. في اليمن، هزم آل سعود. في سوريا، هزم العالم بأسره. وفي لبنان، هزم إسرائيل، وهزم أعداء الداخل أكثر من مرّة. يتبدّل الأعداء، لكنّه لا يكفّ عن إلحاق الهزيمة بهم.
من انتصار إلى انتصار، يمضي.
يعرف أعداءه ولا يضلّ الطريق. في 2011، ضعفت عزيمته لوهلة. لكن، سرعان ما استعاد رشده. فاكتشف أنّ السيسي أفضل من الإخوان، وأنّ القذّافي كان يُغدق على شعبه تقديماتٍ اجتماعية، وهو في كلّ الأحوال أفضل من تدخُّل الناتو وأفضل من الفوضى. لم يهزّه استخدام السلاح الكيميائي في دارفور، ولا أن تحكم جثّةٌ شعبَ الجزائر، لكن هزّه الخوف من احتمال تسلّل أصابع خارجية إلى الثورات. سوريا، بالنسبة إليه، لا تليق بكلّ السوريّين. قسمٌ منهم فقط يستحق جنّة طبيب العيون ووردة الصحراء، بينما قسمهم الآخر، لا يستحقّ إلا غاز السارين.
من انتصار إلى انتصار، يمضي.
هو مناضل سلميّ كارهٌ للحروب… حين تشنّها الولايات المتحدة الأميركية. ولا يضيره رمي البراميل الحارقة ولا تدمير المدن ولا القواعد العسكرية الروسية. فقد أفنى ثلاثة عقود ينادي بعالم متعدّد الأقطاب، ولن يضيره أن تتعدّد الأقطاب فوق جثثنا.
بوصلته فلسطين، وطريق القدس. لكنّهم ينتبه أنّه كلّما تقدّم خطوةً في انتصاراته، ابتعدت عنه القدس خطوات.
يهوى المحرومين والمستضعفين، لكنّهم لا يلبثون يزدادون حرماناً، ويضيّقون عليه طموحاته في مزيد من الفتوحات.
من انتصار إلى انتصار، يمضي.
وكلّما توالت الانتصارات، تكاثر الأعداء.
في البداية، كانت إسرائيل التي تقف وراء كلّ أشكال الانتفاضات وزعزعة الاستقرار. ثمّ جاءت حليفتها أميركا وبعض المموّلين من اليهود. ثمّ جاء الغرب بأسره بعدما وجد فرصة ليقيم استعماره الجديد. هناك أيضاً ممالك النفط وإماراته، من السعودية إلى الإمارات وقطر، ولكلٍّ منها دواعشها التي تتسلّل إلى الحراكات. فكيف ننسى الرموز والإشارات التي اكتشفها نهاد المشنوق وأجهزته الأمنية في 2015؟ أضيفت إلى كلّ هذه الدول تركيا التي دخلت زمن إحياء الإمبراطورية العثمانية والحلم بإبادةٍ جديدة للأقليات التي تتبرّع إيران بحمايتها.
لكنّ الدول وجيوشها ليست وحدها من يحاربنا. هناك أيضاً الأن.جي.أوز التي تغزونا لتحدّثنا عن الجندر وسائر قضايا اللواط. وهناك المخدّرات التي باتت تصلنا بطرق إلكترونية وعبر ذبذبات الميغافون في التظاهرات، ومواقع التواصل الاجتماعي حيث المراهقون يشتمون أسيادهم والخبثاء يُدلون بآرائهم، وموسيقى الهافي ميتل التي تهين المقدّسات وتودي بشبابنا إلى الانتحار، ومواقع البورنو التي تشجّع الشباب والصبايا على ممارسة الجنس داخل خيم ينصبونها في الساحات، أو على كنبات أحضروها على عجل ليقطعوا بها الطرقات.
من انتصار إلى انتصار، يمضي.
الممانع السعيد لا يزال سعيداً. كلّ الجثث التي صفّق لها لم تنزع منه ابتسامته. ولن تفعل ذلك كتابات الجدران في وسط بيروت، ولا الهتافات النسويّة في الساحات، ولا الشتائم المتصاعدة في الهواء الطلق، ولا القبضات المرفوعة التي لا تهتف: لبّيك لبّيك. الممانع السعيد لا يزال سعيداً. لكنّ انتصاراته أنستْه أنّه يعيش في عالم قديم. عالم لم يغادره يوماً، اسمه الحرب الأهلية.