قضية الأسبوع طوفان الأقصى
ميغافون ㅤ

جالياتٌ عربية أصبحت «رأياً عاماً» عالمياً

28 تشرين الأول 2023

9/11 مجدّداً؟

الجاليات العربية في الغرب بخطر، وهي تتعرّض لحملة عنصرية شنّتها الماكينة السياسية- الإعلامية- الأمنية الغربية في حربها على غزّة. لا داعي لتكرار الأمثلة عن التوقيفات والمنع والطرد والضغط. لا داعي لتكرار هذه الأمثلة لأنّها ليست المرة الأولى التي يُشيطَن بها العرب في الغرب. ما كادت تلك الجاليات تتعافى من آخر موجة شيطنة، أي «الحرب على الإرهاب»، حتى انطلقت حفلة الجنون الحالية. 

الجاليات العربية في الغرب بخطر اليوم لأنّها ترفض تكرار هذا السيناريو، ترفض أنّ تُخيَّر بين دورها كـ«ضحية مثالية» تُدار إنسانياً ودورها كـ«إرهابي» على الماكينة الأمنية والعسكرية القضاء عليها. الجاليات العربية اليوم تقاوم في شوارع عواصم الغرب لأنّها تدرك أنّ الحملة العنصرية المتوحشة ليست فقط دفاعًا عن «حق إسرائيل الشرعي بإبادة شعب»، بل لإعادة تطويع تلك الجاليات وإرجاعها إلى دورها كإشكالية في الوجدان الغربي، أي كمسألة يجب إدارتها وضبطها، هذا إن لم يكن المطلوب «حلّها».

لكنّ تلك الجاليات اليوم وليدة مسار طويل من النضال، وسوف تتطلّب إعادة تطويعها أكثر من كلام عنصري عن قِيَم غربية أو تهديد بشتى أنواع العزل أو الابتزاز بتهمة الإرهاب. فلا عودة إلى 9/11 مهما حاولت الماكينة الغربية إعادة إحياء تلك اللحظة. 


تشكُّل الجاليات العربية: فلسطين والاحتلال

في مقدمة أضافها في عام 2003 على كتاب «الاستشراق» (1978)، يخلص إدوارد سعيد إلى أنّ فهم العالم العربي والإسلام والشرق الأوسط في الولايات المتّحدة لم يتحسّن منذ نشر الكتاب، أي منذ ربع قرن. نشر الكتاب في لحظة مفصلية في تشكّل الوعي السياسي لدى الجاليات العربية. كانت هذه السنوات تشهد أفول الحركات العالمثالثية و«علمانيّتها» لصالح بروز الإسلام السياسي، ومعه «أشكلة المسلمين» حضاريًا في الغرب. فشهدت المرحلة التي تلت نشر الكتاب صعود الثورة الإيرانية وظاهرة المجاهدين في أفغانستان وموجة التفجيرات الإرهابية في أوروبا. وجاءت قضية سلمان رشدي في أواخر الثمانينات لتقدّم أحد أوضح معالم هذه «الإشكالية» من خلال تحويلها إلى خلاف قِيَميّ عابر للحدود. وتزامن هذا الصعود لثنائية «الغرب- الإسلام» مع ما بدا كحلٍّ دائم للصراع العربي-الفلسطيني مع اتفاقيات أوسلو، وتقلّبات «جيل أوسلو» على مدار التسعينات بحثًا عن سلم وشريك ودولتَيْن. 

لكنّ الأمور لم تجرِ كما توقّعها حكّام المرحلة. فبين أوسلو ومقدمة الـ2003 لسعيد، هناك حرب العراق وحصاره، ثمّ هجمات أيلول 2011 و«الحرب على الإرهاب» التي حوّلت «إشكالية الإسلام» إلى مشروع أمني استخباراتي امتدّ على الكوكب كله. ومع صعود «الحرب على الإرهاب» كمنظور للتعاطي مع مسائل المنطقة، انهارت منظومة «أوسلو» ومعها خطاب السلام. بدأت تتعمّم نظرية الاستعمار الاستيطاني كمنظور لفهم سياسة الدولة الإسرائيلية، وقد تكون من أول تجلّياته العملية حركة المقاطعة (BDS) بأوائل الألفية الثانية، وذلك قبل أن تتعرض لإحدى أكبر عمليات الشيطنة من قبل الماكينة الإعلامية. وشكّلت لحظة حرب العراق الثانية (2003) نقطة ارتكاز أساسية في تشكّل الوعي السياسي، حيث شهدت معظم الدول الغربية حركات احتجاج واسعة.


تشكّل الجاليات العربية: الثورات والهجرة

استمرّ صعود هذه الجاليات، في ظل عالم عربي يفتقد للحيوية السياسية حتى نهاية عام 2011 وانفجار الثورات العربية في عدد من الأنظمة القمعية. فتحوّل الحراك في المهجر من واحد مناهض لخصم إلى آخر داعمٍ لحركات احتجاجية. وإن لم ينشأ موقف عربي موحّد، تصادم الموقف من الاحتلال وفلسطين مع دعم بعض الحكومات الغربية للثورات. كما لم يتطور موقف تضامني بين الثورات التي سرعان ما سقطت ضحية القمع والحروب، وصولًا إلى الإبادة في بعض الأحوال. 

لكنّ ما أنتجته الثورات هو موجات من الهجرة، أضافت أجيالاً جديدة لهذه الجاليات العربية، مع حساسيتها السياسية القادمة من تجربة القمع. في مدن المهجر (هذا قبل أن تعود إلى تراثها العنصري)، نشأت علاقات عابرة للحدود الوطنية، بين أيتام شتّى أنواع الثورات وضحايا الاحتلال والاستيطان ومن يعاني من عنصرية دول المهجر. وفي السنوات التي تلت موجات الثورات، بات هناك جاليات متنوعة ووازنة وضاغطة سياسيًا، وشكّلت ربّما المكان الأخير الذي استمرّت فيها مطالب الثورات. 

ظهرت فعالية هذه الجاليات في حملة الدفاع عن الشيخ جراح في عام 2021. وكانت هذه الحملة مفصلية، ففي لحظتها اكتشفت الماكينة السياسية- الإعلامية- الأمنية الغربية أنه بات هناك اختراق جدّي لإجماعها العنصري، اختراق بات بحاجة لتطويق سريع، تطويق يحتاج إلى أكثر من آليّات العنصرية المعتادة.


بوادر عالم جديد تُصنَع في غزّة

لم تتحرّك ادوات العنصرية المعتادة، عنصرية اليمين المتطرّف. فهذه الأدوات لا تفيد بلحظات كهذه. تحرّكت مكانها عنصرية «الاستبلشمنت» مع مؤسساته «المرموقة» وإعلامه «الرصين» وإجماعه «الحضاري» وموضوعيته «القاتلة»، لكي يعيد تطويق وتطويع الجاليات العربية المزعجة. وما من رادع اليوم أمام عنف هذه الماكينة، فلا حدود لمن يعرف أنّه انفضح في نفاقه. 

وللمفارقة، بينما تتّكل إسرائيل على ماكينة دولة ومواردها الضخمة في عملية التضليل، يبدو الموقف الداعم لفلسطين محمولاً من مئات آلاف الأفراد في غياب تامّ لمنظومة الدول العربية، المطبِّعة أو التي تنتظر الانتهاء من «مسألة غزّة» قبل إتمام تطبيعها. فهذا «الرأي العام العالمي الداعم لفلسطين» لا يواجه فقط ماكينة القتل الإسرائيلية وداعمها الغربي، بل أيضًا امتدادها في المنطقة على شكل عمليات سلام استبدلت شعار «الأرض مقابل السلام» بشعار «السلام من أجل القمع»، عمليات سلام ستؤسّس لأنظمة «أبرتهايد» على صعيد المنطقة بأشكال مختلفة. وهنا قد تكون نقطة التقاء «الداخل» و«الخارج». فالدفاع اليوم عن غزّة هو اعتراضٌ أيضًا على هذا الشرق الأوسط العنيف الذي يبنى حول التعاونات الأمنية بين أنظمة قمعية. والدفاع اليوم عن الحريّات في الداخل العربي بات يمرّ بغزّة وبرفض التحالف الغربي-الإسرائيلي-العربي عليها. 

في هذا الالتقاء تنتفي ثنائية الداخل والخارج لتظهر معالم صراع مختلف، بين شعوب باتت موزّعةً على دول مختلفة، وأنظمة باتت تربط بينها روابط القتل والكذب والعنف.  


 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تعزيزات أمنية سورية لمواجهة «فلول الأسد» 
دبّابات الاحتلال الإسرائيلي تدخل وادي الحجير
ماكرون يُخرج سمير عسّاف من قبّعته مرشّحًا رئاسيًا
24-12-2024
تقرير
ماكرون يُخرج سمير عسّاف من قبّعته مرشّحًا رئاسيًا
روبوت مفخّخ لأوّل مرّة في مستشفى كمال عدوان
كنيسة برفوريوس في غزّة لا يوجد أي احتفالات للأعياد
اتفاق لحلّ الفصائل المسلّحة ودمجها تحت وزارة الدفاع السورية