تحليل «نوّاب التغيير»
جان قصير

فكّ حصار التغييريّين عن التغيير

20 كانون الثاني 2023

السيرك النيابي

لطالما شعرت بالذلّ والعدم عند متابعة الجلسات التلفزيونية لانتخاب رئيس للجمهورية. فلم أرَ في مبارزات السماجة بين النواب والأستاذ نبيه سوى أداة جديدة في ترويض المشاهدين المهزومين. أداة لتسخيف السياسة وطمس الجريمة وترسيخ نشوة الانتصار على أحلام الناس. سيرك تلفزيوني يبثّ أسبوعياً لإعلان العودة الرسمية الى الحياة السياسية الطبيعية، أي هذا العالم الموازي حيث الفارّ من العدالة علي حسن خليل والمدافع عن أهالي الضحايا ملحم رياشي يتصافحان بودّ تحت أعين الأستاذ نبيه. 

لكن في الجلسة الأخيرة، أبى نوّاب التغيير إلّا أن يحلّوا ضيوف شرف في السيرك النيابي، لكن رفضاً للسيرك. متسلّحين بخطاب دستوري أخلاقوي، ومطالبين بتأمين نصاب انتخاب رئيس للجمهورية فوراً، قرّر النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا البقاء داخل قاعة المجلس النيابي حتى جلسة الخميس المقبل. ومع هذا الإعلان المدوّي، بات الحديث عن لوجستيات المنامة والطعام واستخدام الحمام داخل المجلس المنقطع عن الكهرباء ليلاً، الشغل الشاغل للإعلام.

أخطاء تخدم السلطة

في الشكل، تبدو الخطوة منفصلة عن الواقع. ففي اليوم ذاته الذي وصل فيه سعر صرف الدولار إلى 50 ألف ليرة وبات أهالي الضحايا في أوج معركتهم للدفاع عن التحقيق، رأى بعض النواب أن «الخضّة» السياسية المناسبة هي بالتمسّك بالأصول الدستورية ومناشدة سلطة النترات والانهيار بالالتزام بقوانين اللعبة. مقاربة تجسّد وهم نظريّة التغيير من داخل المؤسسات، وتتناسى أن الأزمة هي أزمة نظام أوّلاً. فأصبحت سياسة الـstunt أو الضربات الإعلامية الخرطوشةَ الوحيدة للنوّاب التغييريّين للحفاظ على دورٍ ما في المشهد السياسي بعد تسعة أشهر من تراكم الأخطاء والانقطاع عن قواعد الانتفاضة.

أمّا في المضمون، فتشكّل مبادرة النائبَيْن خطأ تكتيكياً فادحاً يخدم مصالح السلطة. فمطلب التغييريّين بتأمين نصاب للجلسة يحرمها من أداة التفاوض الأبرز التي ما زالت متاحة لهم. فبعد التصعيد الأخير، أصبح من شبه المستحيل للتغييريّين عدم حضور الجلسات لمنع انتخاب رئيس يعيّنه حزب الله او حزب المصارف. كما بات من الأسهل اليوم لقوى 8 آذار ضمان عدم تغيّب معظم النواب التغييريّين عن الجلسات، للسعي لتأمين الأصوات اللازمة لمرشّحها سليمان فرنجية. تأتي هذه الخطوة لتتوّج الفشل المستمرّ للنوّاب التغييريّين في الملف الرئاسي منذ المبادرة الرئيسية التي توهّم فيها التغييريّون أنّ السلطة بحاجة لهم لإيجاد تسوية لأزمتها الرئاسة.

لكن يبقى الأخطر في توقيت المبادرة. فبعد عودة قضية 4 آب إلى الواجهة على خلفية استدعاء أهالي الضحايا إلى التحقيق واعتقال وليام نون وزيارة القضاة الأوروبيين واستعادة الشارع، أتت خطوة التغييريين لتعيد الحديث إلى موضوع انتخاب الرئيس. فبدل الاكتفاء بدعم الأهالي في اعتصامهم أمام المجلس، فضّل هؤلاء النواب تحوير الحديث إلى موضوع آخر، وخطف الكاميرات من خارج القاعة إلى داخلها. 
تشكّل هذه الخطوة خدمةً إضافية لقوى 8 آذار التي تسعى إلى نزع مركزية قضية 4 آب عن النقاش السياسي بعدما عرقلت التحقيق وحمت المطلوبين المقربين منها. كما تشكل هذه الخطوة فرصة مجانية للقوات اللبنانية التي تحاول التسلّل إلى خطوط الدفاع الأمامية في قضية 4 آب، إذ لا يفوّت نوابها فرصةً للتواجد مع أهالي الضحايا والتصريح أمام الكاميرات. تقدُّم القوات الإعلامي في قضية 4 آب يصب أيضاً في مصلحة قوى 8 آذار التي تسعى إلى تحويل قضية وطنية إلى قضية فريق سياسي أو طائفة، وذلك منذ انشقاق إبراهيم حطيط عن لجنة أهالي الضحايا مروراً بأحداث الطيّونة، والتدخّل الأخير للبطريرك الماروني لإطلاق سراح وليام نون. 

فكّ حصار التغييريّين عن التغيير

من نشوة الانتخابات إلى سيرك الضربات الإعلامية، لم يستطع نواب التغيير الحفاظ على رصيد القوة والثقة الذي منحهم إياه الناخبون. وباتت الحياة السياسية لقوى 17 تشرين محكومة بنشاطات و«سقطات» هؤلاء النواب الذين يتحرّك معظمهم دون تكليف أو تفويض من أحزاب أو قواعد شعبية. ومع كلّ حادثة يزداد شعور عدد كبير من الناشطين المعارضين بأنهم محاصرون وعاجزون عن التحرك خارج الإطار النيابي الذي باتوا محكومين به. 

بات فكّ هذا الحصار الخيار الوحيد لاستعادة قواعد المعارضة للمبادرة وفرض ممكن سياسيّ آخر. هناك أسباب كثيرة ومعقّدة لتفسير فشل التجربة النيابية للتغييريّين حتّى الآن، لكنّ السبب الأبرز هو عجز الناشطين والقواعد الشعبية عن التنظيم ضمن أحزاب ديمقراطية وازنة تستطيع فرض المواقف والتكتيك على نوابها من جهة، ومنحهم الشرعية والزخم السياسي المطلوب، من جهة أخرى. 

على أبواب انتخابات بلديّة مفصليّة قد تشكّل فرصة تاريخيّة للسلطة للقضاء على القوى التغييرية، يبدو أن الأفق الوحيد للاستمرار بالمواجهة مع النظام يكمن في قدرة الناشطين التغييريين على كسر الحصار الذي فرضه نوّابهم عليهم، وتوحيد الصفوف ضمن بنى سياسية منظّمة ووازنة تستعيد المبادرة وتصحّح المسار السياسي للمعارضة ونوّابها. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل ترتكب مجزرةً في منطقة البسطا
62 شهيداً في عدوان الخميس 21 تشرين الثاني 2024
غارة إسرائيلية تقتل علي علام، مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 22/11/2024
3,645 شهيداً، 15,355 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان