لبنان لا يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّة. لبنان اقتيد إلى الأزمة الاقتصادية.
وبخلاف دولٍ كثيرة واجهت أزمات مُماثلة سبّبها تفاقم الدين العام، لم تلعب المؤسّسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الدور الأساسي في إسداء النصائح الخاطئة التي أغرقت البلد في الديون الخارجية. ولم تلعب تلك المؤسسات من ثمّ الدور الأساسي في إغراق البلد بسياساتٍ تقشّفية صبّت الأعباء على الفئات الفقيرة. لم يحتج لبنان الرسميّ نصيحةً من أحد. نصح نفسَه بنفسه. سبق له أن صوّر الدَّيْن العام كممرّ إلى الجنّة، وها هو يصوّر إلقاء أعباء الأزمة على الطبقات الفقيرة والمتوسّطة كممرّ وحيد لتخطّي الأزمة.
لبنان لا يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّة. لبنان اقتيد إلى الأزمة الاقتصادية.
وتماماً كما خرج عرّابو الطوائف ومموِّلوهم من الحرب الأهلية بعفوٍ عام ومن دون توزيعٍ للمسؤوليات، يحاول العرّابون أنفسهم الخروج من الأزمة بعفوٍ عام وأرباح بدلاً من الخسائر. وُجِد يومها من يقول إنّها حروب الآخرين على أرضنا. ووُجد الآن من يردّ الأزمة إلى الآخرين، الولايات المتحدة الأميركية التي تشنّ الحرب الاقتصادية علينا عبر منعنا من تلقّي استثمارات صينيّة متوهَّمة، أو النازحين الذين أرهقوا اقتصاد البلد. أمّا كلّ السياسات الاقتصادية التي ارتُكبت منذ انتهاء الحرب الأهلية، وواضعوها والمستفيدون منها، فيُراد لهم أن ينالوا أحكام البراءة.
لبنان لا يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّة. لبنان اقتيد إلى الأزمة الاقتصادية.
وثمّة من يريد الهرب من هذه الوقائع انحناءً أمام ذكرى الجريمة البشعة التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري، والتي جعلت نقد سياساته الاقتصادية خرقاً لحرمة الموت. وثمّة من يريد الهرب من هذه الوقائع لتبرئة العهد اللحّودي الذي صبّ حقده على كلّ ما تمثّله الحريرية، باستثناء نموذجها الاقتصادي. فلم يتجرّأ خلال بنائه نظامه الأمنيّ على تغيير ذرّةٍ واحدة من النظام الاقتصادي. وثمّة من يريد التهرُّب من هذه الوقائع لأنّه وجد أخيراً في سعد الحريري الزعيم السنّي الضعيف والمطياع، ولا يريد أن يخسره ما دامت «معاشاته مؤمّنة» من خارج الحدود. وثمّة من يريد التهرّب من هذه الوقائع لأنّه حين انضمّ إلى السلطة، لم يسعَ لقلب النظام الاقتصادي بل للاستفادة منه حتى ولو متأخِّراً.
لبنان لا يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّة. لبنان اقتيد إلى الأزمة الاقتصادية.
والذين اقتادوا البلد إلى الأزمة لا نيّة لديهم لتحمّل أيّ عبء من أعبائها. لا بل يشنّون حرباً على المواطنين والمودعين عبر حجز أموالهم وربّما نهبها لاحقاً، إمّا عبر مصادرتها وإمّا عبر إفقادها قيمتها. لا يحدث ذلك من ضمن أيّ سلّةٍ لتوزيع الأعباء من أجل تخطّي الأزمة. فما فعلته مافيا المصارف هي أنّها أقدمت على حجز الودائع بعدما هرّبت ودائع مالكيها وودائع كبار مودعيها وودائع السياسيّين الكبار. لم تهرّبها وحسب، بل امتصّت أيضاً خلال عمليات التهريب ما تبقّى من دولارات في السوق. هذه ليست أزمة. هذه حرب تخوضها العصابة التي تجتمع بين فترة وأخرى عند رئيس الجمهورية لإيهامنا بأنّها تبحث عن حلّ للأزمة. وهذه العصابة لا تعمل عند الصينيّين أو الأميركان. هذه العصابة تعمل بحماية طاقم سياسي محلي متعدّد الأجنحة، لم تتوقّف عن خدمته يوماً، ولم يتوقّف هو عن خدمتها.
لبنان لا يمرّ بأزمةٍ اقتصاديّة. لبنان اقتيد إلى الأزمة الاقتصادية. والنظام الذي اقتاده لا يزال يراكم السلطة أو الثروة، ويعطي نفسه الحقّ في تأديب الشارع، وتلقينه ما المسموح والممنوع، ما الحراك وما الثورة. قريباً، ستنقلب الأدوار. ما زال أمامكم قليلٌ من الوقت لتبادُل الاتّهامات بين نعيم قاسم ورياض سلامة.