تعليق انفجار المرفأ
سامر فرنجية

مهلة ماكرون ومعضلاته

7 آب 2020

جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليزور الجميزة ويتفقّد أهلها بعد الانفجار. وخلال زيارته الخاطفة، وجد بعض الوقت لكي يجمع سياسيّي لبنان كتلاميذ المدرسة، ويوبّخهم على فعلتهم هذه. أسمعهم كلامًا قاسيًا، ورغم محاولاتهم التهرّب من المسؤولية من خلال لوم اللاجئين من هنا أو الاختباء وراء الأزمة المالية من هناك، أجبرهم بفرض مدرسي مهلته الأوّل من أيلول.

الفرض ليس سهلًا. فماكرون لم يطالبهم ببعض الإصلاحات السياسية، بل بـعقد سياسي جديد يأتي بعد مئة سنة على تأسيس لبنان. كما لم يطالبهم بإصلاحات اقتصادية سطحية، بل بـمعالجة عدم الشفافية في القطاع المصرفي، وصولاً إلى إجراء تدقيق محاسبي شفّاف في المصرف المركزي والنظام المصرفي. قد يكون هذا كثيراً على التلاميذ لإنجازه بأقل من شهر. ولكنّ الفرض يظهر التجذير المتصاعد للمجتمع الدولي الذي فقد ثقته بالحلول المرحلية كمحاربة الفساد أو شفافية الانتخابات.

سيعود ماكرون في الأوّل من أيلول لمتابعة التقدّم بالفرض. وإذا لم ينجز الطلاب فرضهم، فسيكون هناك مسؤولية أخرى من قبل الرئيس الفرنسي تجاه الشعب اللبناني، كما أكّد. ولكي يقدّم بعضًا من المصداقية لتهديده، لوّح ماكرون، ربّما تيمّنًا بموقف الرئيس الراحل جاك شيراك، بتحقيق دولي أو تحقيق بمشاركة فرنسية. لكنّ ماكرون لم يأتِ موبّخًا ومهدّدًا فحسب، بل قدّم بعض الإغراءات، على شكل مؤتمر عالميّ لدعم اللبنانيين.

لكن، رغم لهجته العالية وكلامه القاسي، يواجه ماكرون معضلات تفضح المأزق الذي نجد أنفسنا فيه. فهو يوجّه مطالبه لممثّلين شرعيين، يدرك أنّهم سبب المشكلة ولكنّهم ما زالوا المحاور الرسمي الوحيد لديه. وقد يكون أوضح مثال لهذا المأزق محاورته لممثّلين لحزب الله، لم يستطع تفاديهم رغم اعتبار حزبهم إرهابياً. حاول ماكرون التهرّب من هذه المعضلة على صعيد المساعدات التي وعد بأنّها لن تمرّ من خلال قنوات الدولة الفاسدة. لكنّ هذا التلاعب لن يصلح في السياسة، خاصةً في وجه المعضلة الثانية، وهي فشل الثورة بتكوين جسم يرقى لكي يخاطبه رئيس دولة أجنبية. فماكرون، كسائر المجتمع الدولي، قابع بين محاورين رسميين هم سبب المشكلة، وشعب يريده على قياسه.

لكنّ سلاح ماكرون لم يكن في ما قاله وفعله. فهو «رجل دولة» جاء عند شعب يتشوّق لدولة، أي دولة. نزل إلى الشارع وتحدّث مع الناس وعاين الأحياء المدمّرة، وهي خطوة قد تكون بديهية ولكن لم يجرؤ على القيام بها أي سياسي لبناني. ففي هذه اللحظة من الدمار الشامل، تتصاعد الحلول السحرية، كالمطالبة بالحكم العسكري أو عودة الانتداب، التي تعبّر عن هول الفاجعة أكثر ممّا تعبّر عن تطلعات سياسية. جاء ماكرون في ظل هذا الغياب الرسمي، واستُقبِل بشيء من الحسرة وكثير من السخرية، كبطل. ولكن حتى هذا البطل الهزيل لم يصمد هنا، وهجر هذه الأرض.

لا نحتاج إلى الكثير لكي نشكّك بنيّات ماكرون أو قدرته على إنقاذنا من مأزقنا. فلا داعي للعودة إلى تاريخ فرنسا الاستعماري أو ترداد المقولات عن مصالح الدول أو البحث عن خفايا مظلمة لحركة ماكرون الأخيرة. لا نحتاج إلى العودة لهذا التاريخ البعيد، لأنه يكفي أن نعود لموقف شيراك بعد اغتيال الحريري. فبعدما أكّد شيراك دعم فرنسا للحركة السياديّة في وجه نظام الأسد، جاء مستشار الرئيس ساركوزي، كلود لو غيان، ليعيد فتح الحوار مع دمشق، ويحوّل سياسة فرنسا 180 درجة. وهذا التحوّل القاتل في الاتجاه السياسي لم يكن محصورًا بهذه الخطوة فحسب، بل يمكن أن يكون الثابت الوحيد في السياسة الدولية. فالنظام الحالي في لبنان نتيجة أيضًا لسياسة فرنسا، وغيرها من الدول، الداعمة لاستقرار رسمي قاتل، ولتقلُّب هذه السياسة بحسب مفهومها لهذا الاستقرار. قبل أن يوبّخ ماكرون اللبنانيين على خياراتهم الانتخابية، كان من الأجدى أن يأتي مع بعض التواضع ويفسّر لنا تلك التقلّبات. فليست الحكومة من ينبغي أن تحظى بثقتنا وثقته في 1 أيلول. المجتمع الدولي أيضًا مطالب بمراجعة قاسية لسياسات الماضي، كي يحظى بثقة اللبنانيين.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فكشن

الدني بتهزّ، ما بتوقاع

عمر ليزا
37 شهيداً في عدوان يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024
بري: المفاوضات في ملعب إسرائيل
9 غارات تستهدف الضاحية الجنوبية
تخوّف من تفخيخ جيش الاحتلال مستشفى ميس الجبل الحكومي