تستعدّ السلطة لعقد جلسة لمجلس النوّاب لإقرار قانون عفوٍ عام. قانون فضح المحامون الناشطون في الثورة خطورته، خصوصاً لجهة إمكانية استخدامه من قبل الطقم السياسي للعفو عن جرائمهم المالية. كأنّ التاريخ يبتسم هازئاً. فقانون العفو العام الأوّل الذي أقِرّ بعد انتهاء الحرب الأهلية، عفا عن الجرائم التي ارتكبها الطقم السياسي الحالي، وحكّم بالبلاد زعماء مافياتٍ غادروا المتاريس ولم يغادروا تقويض الدولة ونهبها.
لكنّ المواجهة بين الشارع والمجلس النيابي لا تقتصر على خطورة هذا القانون. المواجهة هي مواجهة حول مَن يملك حقّ التمثيل. مواجهة بين مجلس انتخب قبل سنة ونصف ويجهد ليدافع عن شرعيّة تمثيله، وشارع أسقط عملياً هذه الشرعية التمثيلية ويدعو لانتخابات مبكرة تصحّح التمثيل الشعبي.
إذاً، في جلسة الثلاثاء، يتواجه مجلسان. واحدٌ منتخب وغير شرعي، وواحد شرعيّ لكنّه لم يولد بعد.
المجلس الأوّل قصّته معروفة:
مجلسٌ انتُخب وفقاً لقانون فُصِّل خصّيصاً لجبران باسيل كي يضمن مقعداً نيابياً للمرّة الأولى في حياته السياسية، بعدما فشل في الدورات السابقة.
مجلسٌ أتمّ رئيسه في 20 تشرين الأوّل، أي بعد ثلاثة أيّام على اندلاع الثورة اللبنانية، 28 سنةً كاملةً كرئيس للبرلمان اللبناني.
مجلسٌ خالٍ من المشرّعين ومليء باللصوص والسماسرة الصغار الذين شرّعوا النهب المنظّم حتى يتمّ بالقنوات القانونية.
مجلسٌ مليءٌ بالكذّابين الذين أطلقوا الوعود الانتخابية وتنصّلوا منها.
مجلسٌ أقرّ الموازنة الأخيرة الخالية من الإصلاحات، والذي كان يستعدّ لإقرار موازنة ثانية تحمّل الفئات الشعبية عبء إدارة الأزمة الاقتصادية.
مجلسٌ كانت أكثريّته تستعدّ لانتخاب جبران باسيل نفسه رئيساً للجمهورية، بعد الزيارة التي أعلن نيّته القيام بها إلى سفّاح دمشق.
المجلس الثاني لا تزال قصّته تُكتَب:
مجلسٌ أسقط جبروت جبران باسيل الذي لم يُبنَ على أيّ إنجاز، والذي يستمدّ قوّته من صلات القرابة واستخدام النفوذ والخضوع لسطوة حزب الله.
مجلسٌ هتف على مدار أيام طوال، في الساحة التي تبعد أمتاراً عن مبنى البرلمان: حرامي، حرامي، نبيه برّي حرامي. وملأ جدران وسط بيروت، برقم الـ٥١٪ للدلالة على النسبة التي تطلبها السيّدة رندة برّي من المشاريع التي تنفَّذ في منطقة نفوذها.
مجلسٌ يريد الحلول محلّ كلن يعني كلن الذين نهبوا وقتلوا.
مجلسٌ يطمح بالوصول إلى البرلمان بانتخابات مبكرة وفقاً لقانون لا يراعي إعادة إنتاج الطقم السياسي نفسه. مجلسٌ نال الشرعية في الشارع قبل أن ينالها في صناديق الاقتراع.
مجلسٌ تمكّن من استعادة نقابة المحامين، وهو في طريقه إلى استعادة النقابات الأخرى، واحدةً واحدة.
المواجهة ليست من أجل جلسة. ليست أيضاً من أجل قانون. هي المواجهة الأخيرة التي يخوضها وحشٌ ثقيلٌ مترنّح ضدّ جسم لا يزال قيد التشكُّل. وحش السلطة يريد أن يدخل البرلمان كي يجلس على الكرسيّ كعادته ويقرع المطرقة. أمّا الناس، فيقرعون الطناجر والصفائح كما لو أنّهم يقرعون أبواب المستقبل، ولن ينتظروا أحداً كي يفتح لهم.