تعليق ميديا
سمير سكيني

أوقِفوا الجريمة التي ترتكبها رابعة الزيّات

9 شباط 2022

«المشاهد هو الحكم»

جملة افتتاحية ترميها رابعة الزيّات لتبدو إعلامية محترفة، تعرض أمام الرأي العام الرأي والرأي الآخر، وتدع لنا خيار 
الانحياز للجهة التي أقنعتنا عقلانياً.
   
قد تكون هذه أكبر بدعة بين جملة بدع حلقة أمس من برنامجها الرائع «فوق الـ18».


فوق الـ18

فلنمرّ بدايةً على البرنامج بالعموم، مع العنوان، ومع بدعة أن تكون المواضيع التي تطرحها الزيّات مخصّصة لمن هم «فوق الـ18».

التحرّش- الاغتصاب- الابتزاز- غشاء البكارة- الزواج- المثلية- الجنس- الذكورية- النسوية… وكل هذه المواضيع التي تتناولها الزيّات، هي، بالتحديد، المواضيع المُفتَرَض عرضها أمام من هم تحت الـ18، لا فوق. وإن لم يحصل ذلك، وحُجبَت تلك المواضيع عمّن هم ما دون الـ18، ستحصلون في المستقبل على آراء على شاكلة أراء حلقة أمس.

فهل هذا ما نريده لمجتمعنا؟ أنُريد المزيد ممّن لم يسمعوا بالمهبَل من قبل؟

فعلياً، كل ما تفعله الزيّات هو أن تقدّم نسخةً رديئة عن برامج التسعينيّات، مع مواضيع كان يُعتَبَر طرحها، آنذاك، «جرأةً». إلّا أنّها أتت متأخّرةً ثلاثة عقود. أتت خارج زمانها، وكأنّ ما من نضالاتٍ خيضَت في هذه السنين لتغيّر مقاربة طرح المواضيع.


بدعة الرأي والرأي الآخر

رابعة إعلاميّة مُحترفة، تريد اتّباع قاعدة الرأي والرأي الآخر.

هيا، فلنستمع لمُناصرٍ لحقوق المرأة، ولمُناصرٍ لحقوق الرجل. فلنسمع صوت المرأة المُعنَّفة، شرط أن نسمع أيضاً صوت الرجل المُعنِّف. فربّما هي «تَفتري» عليه، كما شدّدت الحلقة، بكلام المُحاورة واثنين من الضيوف.

ليست المشكلة بمسألة «الرأي والرأي الآخر» مُطلَقَة، فهي قاعدة يُفتَرَض اتّباعها في ميادين عدّة. العلّة في أنّها ليست منهجاً قابلاً للاعتماد في معالجة قضايا كتلك. قضايا بَنى النظام الأبوي سلطته على جثّتها.

المُعنِّف والمُعنَّفة، المُتحرِّش والمُتحرَّش بها، المُبتَز والخاضعة لابتزازه، ليسا رأياً ورأياً آخر، هما مجرم وضحيّة، أو مجرم وناجية. وأنا، أصدّق الناجيات، حتّى وإن كان كلامهنّ «افتراءً».

لماذا؟ لأنّنا في ظرف سياسيّ وتاريخي يحتّم علينا تصديق الناجيات.
لماذا؟ لأنّ صوتهنّ قُمع لعقود من الزمن، بشكلٍ ممنهج، ولأنّه لن يعلو إلا بشكلٍ مُمنهج يحظى على ما يكفي من التأييد والضغط.

وما لبث أن هاجم صوتُ الناجيات النظامَ الأبوي، عبر اتّباع قاعدة الفضح والتشهير، حتّى أعاد الأخير تنظيم أدواته في هجمةٍ مضادّة تهدف إلى التشكيك برواية الناجيات وضرب مصداقيّتها. وما من هجمةٍ مضادّة على الهجمة المضادّة أفضل من تصديق الناجيات.

أمّا رابعة التي ادّعت أمس أنّها تُناصر المرأة، فقد أسدت للذكورية خدمة العمر، عبر فتح منبرها ساعةً ونصف ترويجاً للمواقف التي تشكّك بأصوات الناجيات، بذريعة «الرأي والرأي الآخر».


بدعة «المجتمع»

الأخطر ممّا سبق، هو تسلّح برنامج رابعة الزيّات ببدعة أنّ «الضيوف منوّعون ويمثّلون المجتمع اللبناني». صحيح. كل ما قاله ضيوف أمس نسمعه يوميّاً.

فماذا ارتأت رابعة الزيّات أن تفعل بهذه الآراء؟ ارتأت أن تعطيها شرعيةً.
شرعيّةُ المساحة المُتلفَزَة، وشرعيّة ترسيخ هذه الآراء في الحيّز العام، وشرعية أن تقدّمها كنظريات يكوّن المشاهدون آراءهم بناءً عليها، باعتبارها «طبيعية» و«موجودة»، عوضاً عن مُناهضتها.

طبعاً، لا أتوقّع من إعلام الرايتينغ أن يفكّك الذكورية المُضمَرَة في الخطاب اليومي. لكن هناك حدّ أدنى من المسؤولية، اختارت رابعة الزيّات القفز فوقه. كما اختارت القفز فوق أنقاض بيروت مثلاً، واعتبرتنا «حاقدين».
واختارت بالمقابل سلوك درب التناقض: إذا كانت كل آراء المجتمع ذكورية، فعلى برنامجي أن يكون ذكورياً.

يا رابعة، سمعتُ شابّين يتكلّمان في المتجر أمامي: حسّيت ع خَيّي الزغير عم يكبر ويطلع لوطي، زربته عالبرندا ونزلت فيه خبيط. هيك بيطلع رجّال. هيّا يا رابعة، استضيفيه، هذا رأي موجود في المجتمع!

يا رابعة، في زيارةٍ قديمة، سمعتُ زوجاً ينهر زوجته: مش شغلتي أنا جيب المنفضة. جيبي المنفضة أحسن ما اشبقها من جوّا ع راسك. يلّا يا رابعة، استضيفييييه! هذا رأي موجود في المجتمع! استضيفيه وضَعي أمامه منفضة!


بدعة الحوار العقلاني

للأمانة، استضافت رابِعة مسؤولة التحرير في منظّمة «شريكة ولكن» النسويّة حياة مرشاد. أعطت بهذه الخطوة صورة معدّة البرنامج المحترفة. أحّا. ضيفة بموقع مسؤولية الدفاع عن العمل النسوي، إلى جانب مطفى الشعّار رئيس حملة «جنسيّتي كرامتي»، مقابل ضيوفٍ للتبخيش. برافو رابِعة.

هيا، لنلقِ نظرة خاطفة على أركان هذا الحوار المُثمر:

«مؤخّراً صار في تطرّف بالمطلب النسائي لدرجة انّه صرنا نحسّ فعلاً بالخوف على ولادنا وأهلنا من الحركة النسويّة العالمية»

يأتي الهجوم الأوّل من نضال الأحمدية «الغنيّة عن التعريف» بحسب رابعة (مع أنّي شخصيّاً، لا أعرفها). تعبّر الأحمدية عن الرأي الذي يرى في الحركة النسويّة بعبعاً «لأنّها مستوردة من الغرب»، وتعتقد أنّ الحركة النسوية أتت لتأخذ مكان المطالبة بالمساواة بين الجنسين. حتّى أنّها تسخّف عمل حياة مرشد فقط لأنّ منظّمتها «مموّلة من الغرب».

«كلمة نسويّة ما بحبها. أنا مع العدالة. الله خلق البشر أنثى وذكر لغاية إدامة النسل»

تعود بشرى الخليل في كل موضعٍ إلى ما قال «ربنا بالقرآن». وكأنّ الدين «عادل» بالفعل. وكأنّ الذكورية ليست متأصّلة بالدين. من جملتها الأولى حدّدت الخليل وظيفة جنسانيّة الإنسان: إدامة النسل. وهذه من أكثر المقاربات ذكوريّةً للموضوع.


[استراحة]

عند هذا الحد من الكتابة، وبعد مشاهدة الحلقة مرّتين، عجزتُ عن إكمال المقال.

كنت أنوي أن أخصّص فقرة كاملة عن المدعو ابراهيم برجاوي. يمثّل ابراهيم بآرائه التي تقيّأها صوت الذكوري الخائف على امتيازاته. يزعجه كيف أنّ المرأة حصلت اليوم على حقوقها (؟)، حتّى بات يجب الكلام عن «حقوق الرجل».

يرى ابراهيم أنّ للمرأة امتيازات على الرجل.
انظروا مثلاً، كل الإعلاميّات نساء. فات ابراهيم أنّ رأس المال، الذكوري، يهتاج على الإعلاميّات النساء. يريد للإعلاميّات أن يكنّ نساء وأن يبرزن أجسادهنّ على الشاشة. يريد تسليعهنّ من جهة، ومن الجهة الأخرى إعطاء الوهم لأمثال ابراهيم بأنّ المرأة مُمَكَّنة.

ذكرت رابِعة مسألة التحرّش والاغتصاب أمامه. أصرّ مع ذلك، بكامل فصاحته، أنّ المرأة حصلت على كل حقوقها، وأنّ ما ذكرته رابعة «مسائل خاصّة ما بدي احكي فيها». لأ يا ابراهيم لأ. هذه ليست مسائل خاصة. الاغتصاب هو قمّة المسائل العامّة.

العنف البنيوي المُمنهج ضد النساء هو شأن عام.

طيب، الرجال كمان يُضرَبون. صح يا ابراهيم، صح يا عيوني. لكن هذا لا ينفي حقيقة أنّ العنف مُوَجّه أساساً ضد النساء، وأنّ وجود ذكور مُعنَّفين لا يعني أنّ المسألة مُسطَّحة وتضرب الجندرَين بالدرجة نفسها.

لابراهيم عقدة القضيب. أنا أكيد. عقدة أن يكون قضيبه «غير كافٍ»، فاختار التعويض بفكرة الذكورة: تنكون واقعيّين، الرجل مش بحاجة لجمعية تياخد حقّه، لأنّه بس بدّه يشدّ حاله شوي بياخد حقّه بإيده. [لا تعليق من جهتي]  


لماذا استخدمتُ في العنوان مصطلح «الجريمة»؟
لأن التطبيع مع الآراء التي تبرّر الجريمة، جريمة. لأنّ العنف المتأصّل ببنية النظام الأبوي، جريمة. ولأنّ الدور الوظيفي التي تؤدّيه رابعة الزيّات دور ذكوري بامتياز، ينتهي بالجريمة.

تحتاج الجريمة لمبرّر. يحتاج النظام الأبوي أن يجعل من جرائمه مسألة «رأي ورأي آخر». يحتاج لأن يسخّف نضال المُهَمَّشين. الجريمة لا تأتي هكذا، على غفلة، بل على مستويات، وما قتل النساء سوى المستوى الأخير، وقد يكون «الأسهل».

الأصعب هو أدلجة الرأي العام بشكل يتقبّل الجريمة. وهذا ما تفعله برامج «مُجتَمَع المشهد»، لا رابِعة فحسب، وهذه هي المهزلة التي يجب أن تنتهي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
16,200 شخص في نظام الأسد متورّط بارتكاب جرائم ضدّ الشعب السوري
السلطة الفلسطينية تحتجز 237 عنصراً رفضوا المشاركة بعمليّة جنين
القوّات الإسرائيليّة ترفع علم الاحتلال عند مدخل الناقورة
12 شاحنة مساعدات فقط دخلت شمال غزّة خلال شهرين
287 خرقاً إسرائيلياً لوقف إطلاق النار
فيدان والشرع عن قسد: لا مكان للسلاح خارج الدولة