تعليق هندسة الانهيار الاقتصادي
علي نور الدين

لمصلحة مَن يشرّع مجلس النوّاب؟

8 كانون الأول 2021

هل يشرّع المجلس النيابي لمصلحة المواطن ومحدودي الدخل وصغار المودعين، أم لمصلحة المصرف وتاجر العقارات وصاحب الوكالات الحصريّة؟ 

هذا تحديداً ما يُفترض أن يُسأل عنه المجلس اليوم، برئيسه ومكتبه وأعضائه ولجانه الأساسيّة والفرعيّة دون استثناء. 

يُثبت العديد من الشواهد التي ظهرت في عمل المجلس خلال الأسابيع الماضية بأن المجلس اختار الاصطفاف في وجه مصالح الغالبيّة الساحقة من المقيمين، لحساب الطغمة الماليّة التي تقاتل لحماية موقعها في ظل الأزمة الماليّة. 


سياسة المضاربات العقاريّة

150 ألف وحدة سكنيّة شاغرة موجودة في السوق. ومع ذلك، لا يمكن لغالبيّة الشباب اللبناني تأمين المسكن اليوم، بسبب

  • تسعير عمليات الشراء أو الإيجار العقاري بالدولار النقدي 
  • شحّ العملة الصعبة في السوق وغلاء سعر صرفها
  • توقّف القروض السكنيّة بفعل الأزمة المصرفيّة

فرغم تراجع الأسعار بشكل كبير منذ تشرين الأوّل 2019، لم تنتهِ أزمة الإسكان بفعل كل هذه العوامل.

كان يفترض بذلك أن يدفع الدولة اللبنانيّة إلى البحث عن سياسة إسكانيّة متكاملة، دون أن تشجّع هذه السياسة مبدأ المضاربات العقاريّة. وكان يمكن البحث عن بدائل تبدأ بـ:

  • فرض الضريبة على العقارات أو الأقسام السكنيّة الفارغة
  • فرض الضريبة على تعدّد ملكيّة الأقسام السكنيّة ضمن نطاق جغرافي معيّن
  • فرض ضوابط على العقارات المرهونة التي يتمّ بيعها اليوم لغاية تسديد القروض، للتأكّد من مآلاتها وطريقة استخدامها. 

قرّر المجلس النيابي في جلسته أمس إطلاق العنان لموجة جديدة من موجات المضاربة العقاريّة، وتضخيم أرباح نشاط الريع العقاري وتجارة البناء، عبر إقرار القانون الذي يسمح بإضافة طابق جديد لكل بناء قائم حاليّاً، أو لتراخيص البناء التي لم يتم المباشرة بمشاريعها بعد. قرار سيكون كفيلاً بإغراق السوق بعشرات آلاف الشقق الجديدة، بشكل عشوائي وبدون أي اعتبار لسلامة المباني من الناحية العمرانيّة وقدرتها على تحمّل طابق إضافي، ناهيك بإغراق البنية التحتيّة للأحياء المكتظّة أساساً. 


خطّة ماليّة لمصرف لبنان وجمعيّة المصارف

يوم طرحت حكومة حسان دياب خطّتها، استشعرت «لجنة المال والموازنة» حجم الخطر الذي سيطال رساميل القطاع المصرفي. فدبّ النشاط في اللجنة بشكل مفاجئ، ودخلت في تفاصيل الخطّة لتنقضها لحساب المقاربات التي قدّمها في ذلك الوقت مصرف لبنان وجمعيّة المصارف. 

في تلك المرحلة، حملت اللجنة لواء «توحيد الأرقام» بشكل شفّاف لتخلص إلى نتائج تطيح بخطة الحكومة وتعيد البلاد إلى نقطة الصفر.

اليوم، عادت حكومة ميقاتي إلى صياغة خطّة ماليّة جديدة للتفاوض على أساسها مع صندوق النقد. أما «لجنة المال والموازنة»، فهي غائبة تماماً عن المشهد، وخصوصاً من ناحية السؤال عن طبيعة المقاربات التي يتمّ التحضير لها، دون أدنى متطلّبات الشفافيّة مع أصحاب المصلحة في هذه الخطّة. ومن بين هؤلاء الروابط التي تمثّل أصحاب الودائع العالقة في المصارف، والنقابات التي لا تعلم مستقبل أموال صناديقها التعاضدية والتقاعدية الموجودة في المصارف، بالإضافة إلى الموظفين الذين تأثّرت قدرتهم الشرائيّة بانهيار سعر الصرف.

مع الإشارة إلى أن استشارة أصحاب المصلحة والعمل على خطّة تنسجم مع أولوياتهم تمثّل أبسط بديهيّات صناعة السياسات العامّة. مع ذلك، لا يبدو المجلس النيابي معنيّاً بمصالح كل هؤلاء، أو بأثر الخطّة عليهم، مقارنةً بحماسته للتدخّل يوم عملت حكومة حسان دياب على خطتها. 


تكثر الشواهد الأخرى التي تظهر أنّنا أمام مجلس لا يحرص على مصلحتنا: من جميع صيغ الكابيتال كونترول التي يتمّ طرحها في اللجان النيابيّة، إلى التقاعس عن تمديد مهلة رفع السريّة المصرفيّة لغايات التدقيق الجنائي، وصولًا إلى الاستماتة لحذف البنود التي تفرض الشفافيّة في جميع القوانين المرتبطة بآليّات الدعم البديلة والمساعدات الاجتماعيّة.

باختصار، إنّه مجلس تتناقض أولويّاته مع أبسط أولويّات حماية المجتمع في هذه المرحلة بالتحديد، ويسير في الاتجاه المعاكس تماماً لهذه الأولويّات.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية