تحليل انتخابات 2022
مايا العمّار

اصطدام «الثورة أنثى» بـ«القرار ذَكَر»

8 نيسان 2022

لنكن صريحات/ين، لا تطالب النساء بالكوتا أو المناصفة لوجه المناصفة، أو محبّةً بوقع الأسماء الأنثوية على لوائح المرشّحين/ات. فمعظم الحركات النسوية وحلفائها يدركون أن المصبو إليه ليس تمثيلاً شكليًاً تحقّقه التنظيمات السياسية من باب رفع العتب، إنّما إعادة بناء علاقات اجتماعية أكثر عدالة وتقويض التراتبيات القائمة على الظلم والتمييز

لنكن صريحات/ين أكثر، ولنعترف في الوقت نفسه بأنّ أداء الكتل المعارِضة غير التقليدية في إعلاء الخطاب النسوي، قبل الحضور النسائي، مخيّب حتى الآن، لا لكونه غير متوقّع في قالبٍ مجتمعي يغرف من بطولاته الذكورية، إنّما هو صادم لما يعكسه من تباين فاضح بين ما تغنّت ونادت به أصوات الكثير من القيّمين/ات على اللوائح خلال تحرّكات 17 تشرين 2019 وما أفضت إليه مشاوراتهم في 4 نيسان 2022

لا يكمن السؤال الأساس في معنى أن يكون أكثر من ثلث مجمل اللوائح لا يتضمّن أي امرأة على الإطلاق، بل بالأحرى في الخلفيّات التي أدّت إلى أن تكون نسبة المرشّحات على اللوائح المعارِضة غير التقليدية تحديداً، أقل من ثلاثين بالمئة، ومن بينها لوائح بأكملها خالية من نساء، في دوائر كانت عرفت مرشّحات مُعارضات للأحزاب التقليدية عام 2018. 


لكن قبل النقد، قليل من حسن النيّة: لم يكن يوماً تحويل الشعار إلى واقع أمراً سهل المنال. ويُسجَّل لمجموعات عدّة نجاحها في تشكيل لوائح قويّة بتنوّعها في مناطق عادةً ما تواجهها تحدّيات أقل في هذا المضمار. ومن نافل القول إنّ القانون الانتخابي الحالي وقوانين الأحوال الشخصية القامعة للنساء وهيمنة حزب ذكوري مسلّح على دوائر كثيرة في البلاد، تفرض عقباتٍ جمّة أمام خوض كثيرات للتجارب السياسية ووصولهن إلى المراكز الرسمية. 

وإذا ما وجّهنا السؤال إلى منظّمي حملات ومرشّحين/ات غير تقليديين حول ضعف مشاركة النساء أو غيابها، من المرجّح أن تأتي الإجابات على شكل: حاولنا جاهدين لكننا لم نجد نساء راغبات أو قادرات على الترشّح في هذه الدائرة، أو هذه البيئة معادية جداً لنسائها، أو تفاوضنا مع نساء لكن أوضاعهن المعقّدة حالت دون مشاركتهن، أو فضّلنا رجلاً كفوءاً على امرأة لا تمتلك المؤهّلات أو لا نثق بها، إلخ. 


مقابل تلك الإجابات التي تستأهل النقاش، سيلٌ من الردود والأسئلة تنتظر أن تلقى آذاناً صاغية.

أوّلاً، إن لم تُوفّقوا بإشراك نساء أكثر أو لم تبادر نساء للانضمام إلى لوائحكم، ألم يكن بالإمكان تفادي ترشيح بعض الذكوريّين، أمثال أولئك الذين تباهوا على مدى سنوات بمداهمة أكثر النساء تهميشاً في لبنان، أو تبجّجوا بسلاحهم الشخصي، أو عيّروا مرشّحات بحياتهن الخاصة وخيارات أفراد عائلاتهن؟ 

ثانياً، من المنطقي أن يترتّب على تقديم أي لائحة لنفسها كبديل جدّي عن قوى السلطة، توقّعاتٌ كثيرة ووازنة، كأنْ تسعى إلى تجسيد المُمكن الذي ترفض القوى الحاكمة تحقيقه، بدءاً من تصحيح مظالم بديهية، مثل تهميش النساء وقضاياهن. وإن عجزتْ عن تنويع الوجوه، فعليها بشروح. والأهم، ببرامج تضمن أن المنظور النسوي حاضر كخطّة لا كشعار، عبر تضمينها تفسيرات توضح لنا كيف سيعالج البديل ما عجز أو أبى القديم أن يعالجه. 

ببساطة، لا يمكن أن يبدأ المسار التغييري إلا من تحقيق مُريديه لما يفتخرون بتمثيله من اندفاع ودفاع عن موسوعة الحريات والمساواة. والأخيرة تصبح شعاراً رنّاناً إن لم تُدعَّم بطرحٍ سياسي نسوي واضح. 

ثالثاً، ليس مستغرباً أن يصبّ المرشّحون/ات جل اهتمامهم على الهموم المعيشية الراهنة الضاغطة، والنهب الممنهج الذي يهندسه المصرفيون والسياسيون ضدنا. غير أنّ تقديم الذات كبديل ينطوي أيضاً على إعلان موقف صارم من النهب الممنهج لحقوق النساء الذي يصنعه زعماء وطوائف ضد النساء، ومعهم جوقة من الرجال الذين سيستمرّون في إطباق الخناق على شريكاتهم وقريباتهم ما داموا، أسوةً بأصحاب المصارف، الأبناء المدلّلين للدولة. 

رابعاً، رأينا جميعاً خلال الأسابيع القليلة الماضية كيف شكّلت جرائم القتل والانتهاكات ضد النساء معظم الأخبار التي تداولناها وكانت محط إداناتنا الافتراضية، من مقتل ستّ نساء نتيجة العنف الذكوري إلى حرمان أمّهات من أطفالهن وأطفال من عائلات أمهاتهن. وفي حين استحوذت تلك الجرائم على نهاراتنا، إلّا أنها لم تُقابَل بالتفاتةٍ سياسية مُعارِضة توازي ثقلها، ما يُذكّرنا، مرّةً أخرى، كيف يسهل تحويل قضايانا إلى مادّة جيّدة للاستهلاك... تماماً كأجسادنا.


رأينا أيضاً كيف كرّست المسيرات النسوية خلال العقد الماضي والمحطّة المفصلية التي وُصفت بها 17 تشرين، مفهومَ التقاطعية بين قضايا النساء والمهمّشين/ات، بوصفه ممرّاً ضروريّاً لتجاوز العدالة الفئوية الضيّقة. لكن المفارقة كانت أن رُميت مسؤولية إبراز الترابطات بين مختلف أشكال القهر على كهول الحركات النسوية بشكل شبه حصري، وكذلك مسؤولية التضامن مع ضحايا العنف الجنسي وضحايا العنف المصرفي في آن. أمّا الفرق المرجوّ اليوم، فيتمثّل في أن يكون المعارضون/ات الجدد هم أيضاً مسؤولين عن حمل عبء التقاطعية، عن طريق إبراز أوجه عنف المنظومة الاقتصادي بحق ناسها من دون إغفال أوجه العنف الأبوي للمنظومة نفسها بحق نسائها.

في ما خلا ذلك، عودةٌ إلى إلصاق واجب احتواء شؤون الجميع بالنساء والنسويات حصراً، وإفراغ مشاركة النساء والحيوية التي أضفينَها على الاحتجاجات من جوهرها، عن طريق تحويل زخم حضورهن على الأرض إلى عنوان احتفالي له وقته المحدّد، تقرّره فائدته الآنيّة، لتمحوه فيما بعد زحمة الضغوط الناشئة. 

الخوف اليوم من أن يُكتفى بتحسينات طفيفة هنا وهناك، وبالركون إلى الحجج السهلة والدروب الأسهل، فيُرسَّخ من جديد التقليدُ التاريخي لانتقال شعار «الثورة أنثى»-الإشكالي- في الانتفاضات، إلى واقع «القرار ذكر»-الكارثي- في الانتخابات.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين الخميس 16 أيار 2024
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 16/5/2024
بديل نتنياهو عن خطّة «اليوم التالي»
16-05-2024
تقرير
بديل نتنياهو عن خطّة «اليوم التالي»
تدمير الحياة المدنيّة في غزّة
نتنياهو لطلّاب الجامعات
استقالة أوّل موظّفة من أصول يهوديّة من الإدارة الأميركية احتجاجاً على الإبادة
الاحتلال دمّر 3 مدارس بـ«الزيتون» وهجّر 6 أخرى بجباليا