نجحت الخطّة الأمنيّة للحكومة الجديدة في فرض انعقاد جلسة مجلس النواب بعد نجاحها في فضّ تظاهرة يوم السبت. لكنّ الحل الأمني لن ينجح، حتى مؤقّتًا، لا في إطفاء شعلة الثورة ولا في القضاء على ظاهرة «الشغب». فبالرغم من قلّة أعداد المتظاهرين نسبيًا، فإنّ إصرار «المشاغبين» لن يردعه القمع. وكي نفهم هذه العلاقة بين القمع والثورة، من المفيد التفكير في اثنين من رموز المرحلة الثوريّة الأولى والمرحلة الراهنة، واستذكار الفوارق بينهما وبين المشاركين فيهما، أي بين الثوّار «العاديّين» و«المشاغبين».
عندما انتشرت صورة لـمَلَك وهي تركل أحد مرافقي أكرم شهيّب وهو يحمل رشّاشه، أصبحت أيقونة الثورة في مرحلتها الأولى، مرحلة إسقاط الحكومة ومطالبة السلطة بالرضوخ لمطالب الثورة. رمزت ركلة مَلَك لوعيٍ مفاجئ لدى الفئات المهمَّشة بقوّتهم، وبأنّ مصلحتهم تكمن في مواجهة الطبقة المهمِّشة، مثيرةً بذلك صدمةً وإرباكاً لدى السلطة التي عجزت عن الردّ عليها. السلطة «أكلت الكفّ»، أو بالأحرى، ركلةً، وبدا وكأنّ مهمَّشي البلد قرّروا الاتحاد لتحصيل العدالة، وأنّهم سينجحون حتمًا وسريعًا في قلب موازين القوى في البلد.
أمّا المرحلة الراهنة، فيبدو أنّ وائل حمزة قد أصبح أيقونتَها، على أثر انتشار شريطٍ مسجَّلٍ له وهو يبرّر تواجُده في تظاهرة سادها الشغب قرب مجلس النوّاب. وقد فعل ذلك ببلاغةٍ ساطعة نسبةً للظروف التي وجد نفسه فيها مع التقدُّم المريب لحشودٍ من بلطجية مكافحة الشغب.
لكنّ شريط وائل جاء بعد ما يقارب مئة يوم على الصورة الأولى، بعد ما يقارب مئة يوم من تجاهل السلطة لمطالب الثوّار وفشل المهمَّشين في فرض مطالبهم. جاء ليرمز للتصعيد ردّاً على التجاهل، رغم القمع المتزايد وانخفاض أعداد الناس في الشارع. فقبل ظهور وائل، ظهرت الاختلافات الجذرية بين مئات الآلاف الذين نزلوا إلى الشارع، واستطاعت السلطة أن تعيد بعضهم إلى صفوفها، أو على الأقلّ إخراجهم من صفوف الثورة. كما أثار الفشل في فرض المطالب سريعًا إحباط بعضٍ آخر فأعادهم هم أيضاً إلى منازلهم.
هذه المرحلة ليست مرحلة هؤلاء، ووائل ليس أيقونتها. لا بل يعتبر البعض منهم وائل «مشاغباً» أو «مرتزقاً» أو «أزعر» أو «حاقداً» أو أيّاً من الصفات الباطلة الأخرى التي تُطلَق على من لم يعد لديه شيء ليخسره. لكنّ وائل هو أيقونة أولئك الأخيرين. أيقونة مَن يريد الاستمرار بالرغم من استعادة السلطات الأمنية تماسكَها وقدرتَها على المواجهة. فقد وجد وائل نفسه في موقف الضعف والإرباك في وجه استشراس للسلطة أثار رعبه وأجبره على التراجع، كما رأينا في الشريط. لكنه، مع ذلك، بقي مصرّآً على المواجهة وخوض معارك جديدة.
لن ينفع الحلّ الأمني مع هؤلاء الذين يخوضون معركةً وجودية لن تنتهي، كما قال وائل حمزة، إلا بانتصارهم أو بسجنهم أو بقتلهم. لكنّ مشكلة السلطة وحلّها السياسي هو أنّ زيادة الاعتقالات أو رفع وتيرة القمع سيزيد من إصرار الناجين حتمًا. وبعد مشاهدة ما فعلته الأجهزة الأمنية بشخص مقرّب من المتظاهرين أو يعرفونه أو يرون أنفسهم فيه، سيزداد عنفوان مشاغبي المعركة وستزداد أيضًا أعداد المستعدّين لخوض هذه المعركة الوجودية. والأهمّ من ذلك هو أنّه في ظلّ غياب خطّةٍ إصلاحيّةٍ جذريّة تخفّف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، ستزداد أعداد الذين يخافون الموت أكثر من الحياة. عندها، سنجد حشوداً ضخمة يرون في وائل أيقونتهم.