قضية الأسبوع الحرب على لبنان
ميغافون ㅤ

ماذا بعد سقوط الردع؟ 

30 تشرين الثاني 2024

السجال المستجدّ عن النصر والهزيمة

منذ عام 2006 ورفع شعار «النصر الإلهي» من قبل حزب الله بعد انتهاء الحرب، دخلت عبارتا «النصر» و«الهزيمة» في أدبيات السجال السياسي اللبناني. وذلك لأنّ هذا التقييم يقع في صلب حسابات الطوائف وصراعاتها الداخلية. النصر أو الهزيمة قد يُحدَّد في الحلبة الخارجية، لكنّ الجوائز أو القصاص تُوزَّع داخليًا. لم يمرّ أكثر من بضع دقائق على انتهاء الحرب الأخيرة حتى عاد السجال ذاته حول ما حصل. لكن بعيدًا عن السجالات والحسابات الطائفية المبنية عليها، أنتجت الحرب الأخيرة، ومن قبلها حرب الإبادة في غزّة، بعض الوقائع، التي لا مفرّ من مواجهتها:

أثبتت الحرب الأخيرة اضمحلال فكرة الردع التي شكّلت ركن الاستراتيجية الدفاعية لحزب الله منذ عام 2006. لكن في المقابل، أثبتت أيضًا هذه الحرب، ومن ورائها الإبادة المستمرة في غزّة، سذاجة الاتّكال على «المجتمع الدولي» وقراراته الأممية ورأيه العام الدولي كالضمانة الوحيدة للدفاع عن سيادة البلاد. بين هذين الواقعَيْن، بات البحث عن استراتيجية دفاعية جديدة ضرورة، وإن كانت تبدو مستحيلة في ظل انهيار البنيان السياسي اللبناني. 


تفتُّت سياسة الردع

النصر والهزيمة مفردتان تنتميان إلى لغة السجالات السياسية. في الواقع، هناك صفحة تمّ طيُّها، وهي مرحلة الردع، التي اعتبرها حزب الله من مكتسبات حرب تموز، والتي شكّلت أساس شرعية مقاومته ونظامها. فمن معادلة «الضاحية مقابل تل أبيب» إلى التهديد بترسانة الصواريخ المتطورة، لم تنتج سياسة الردع ما وعدت به، لتترك البلاد عرضة لشتى أنواع الانتهاكات. وبات هذا الخلل ظاهرًا على مستويات عدّة، من مقارنة الدمار التي خلفته الحرب، مرورًا بالفارق الشاسع بين القدرات العسكرية وبنود التسوية الضامنة لأمن إسرائيل، وصولًا إلى خطاب الحزب نفسه.

  • معيار مقارنة الدمار: ما من مقارنة بين الدمار على ضفتي الجبهة. والأهمّ من ذلك، فاق الدمار الذي خلّفته هذه الحرب دمار حرب تموز، أي أن سياسة الردع لم تحمِ البلاد.
  • معيار الفاعليّة العسكريّة: رغم أنّ حزب الله نجح في توجيه ضربات قاسية للجيش الإسرائيلي، وأظهر منسوباً عالياً من القدرات في ظروف صعبة، بات التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي يلغي أي فكرة للردع، كالتي قامت في أعقاب حرب تموز.
  • معيار التسوية: يمكن المحاججة بكلّ ما سبق، لكنّ التسوية جاءت لتؤكّد تراجع الطرف اللبناني، عمّا كان قد حقّقه في عام 2006. فما تمّ تسريبه من بنود الاتفاق يُظهر تراجع حزب الله واضطراره القبول بأمور كان قد عاندها في الماضي، من انسحابه من جنوب الليطاني إلى قبوله بالرقابة على المعابر والحدود، وغيرها من الترتيبات التي كانت مستحيلة منذ أقلّ من شهرين.
  • معيار خطاب حزب الله: ليس من الضروري البحث عن دلائل حول فقدان ميزان القوى في نتائج الحرب، فهو ظاهر في انحدار خطاب حزب الله. بدأت هذه الحرب كحرب إسناد ضمن قواعد اشتباك معروفة، وتحوّلت إلى تصعيد إسرائيلي، قابله تراجع من قبل حزب الله، من تهديد بالردع، إلى تحذير من اجتياح، إلى تأكيد بأنّ الاجتياح لن يدوم، إلى اعتبار أن الانتصار، كما جاء في الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله، هو منع العدو الإسرائيلي من تحقيق كامل أهدافه.

في ظل هذا الواقع، سيكون أسهل لحزب الله الانتقال إلى النزاع الداخلي من الاعتراف بسقوط منظومة الردع.


تهاوت فكرة «المجتمع الدولي»

يشير ما سبق إلى انتهاء صلاحية سياسة الردع التي بناها حزب الله منذ أكثر من عقدين من الزمن. لكن في المقابل، أظهرت سنة الحروب الإسرائيلية الطويلة وإبادتها المستمرة، أنّ الاتكال على «المجتمع الدولي» لردع الاعتداءات الإسرائيلية بات وهمًا، دفع ثمنه كثيرون منذ اتفاقيات أوسلو حتى الآن. وشكّل هذا الاتّكال على الشرعية الدولية ركن الموقف المناهض لحزب الله، والذي ينطوي ضمنيًا على اعتبار أنّ ما مِن مطامع إسرائيلية تتطلب التفكير بمواجهتها خارج ترداد القرارات الدولية. 

لكن إذا أراد نقّاد حزب الله أن يؤخَذوا على محمل الجدّ، عليهم البدء بتقديم الأجوبة على أسئلة السياسة الخارجية، والسيادة التي يتباهون بها. ومن بينها:

  • ماذا بقي من القرارات الدولية وفاعليتها في ظل حروب إسرائيل الأخيرة، ومن بينها الإبادة المستمرة خارج أي عقاب أو رادع؟
  • هل يمكن مواجهة التطلعات التوسعية لحكومة نتنياهو من خلال الاتّكال على «شرعية دولية»، لم تمنعها من شنّ حرب مدمرة على لبنان؟
  • ما هي مصادر القوة اللبنانية التي تسمح بالتفاوض مع إسرائيل على الأمور المشتركة، من ترسيم الحدود إلى تقسيم حقول الغاز وغيرها من الأمور؟

حتى الاستسلام وإعلان الهزيمة يتطلّبان بعضًا من التفاوض وبالتالي مكامن القوة. وللمفارقة، ليس للبنان ما يقدّمه في هذا التفاوض إلّا حزب الله أو الابتزاز به. 


البنيان السياسي المُنهار

كل ما قيل أعلاه يجعل من البحث في «الاستراتيجية الدفاعية» للبلاد ضرورة سيادية، بعد اضمحلال خيار «الردع» وذوبان خيار «الشرعية الدولية». لكن لبحثٍ كهذا شروطه، وأوّلها سيادة النظام السياسي على نفسه، قبل أن يكون سيّداً على حدوده أو على قرار السلم والحرب. فما أظهرته الأيام الأخيرة من هذه الحرب هو أنّه ما من نظام سياسي في لبنان. فجأة، بات انتخاب الرئيس ممكنًا، مع تحديد جلسة لانتخابه، ليكون هذا الانتخاب من أولى نتائج الحرب. أمّا مسوّدة الاتفاق، فما زلنا نحصل على تفاصيلها من تسريبات إسرائيلية، مع تصويت عدد من الوزراء عليها من دون معرفة مضمونها.  

فقبل البحث عن «استراتيجية دفاعية» أو التصارع حول قرار السلم والحرب، هناك سؤال البنيان السياسي المفروض عليه البحث بتلك الأسئلة، وهو بنيان بات مهترئًا وفاقداً للشرعية، لكن أيضاً للحد الأدنى من الجديّة والفاعليّة. وقبل ترميم هذا البنيان، لا سياسة خارجية ولا سيادة، وما من ردع أو شرعية دولية، بل مجرّد هزائم تتلوها انهيارات. 

إن كان هناك من التفاتة نحو الداخل بعد خفوت الصراع مع الخارج، فهي نحو ترميم هذا البنيان لتفادي تحويل الحرب الخارجية إلى نزاع داخلي، يجعل من النصر والهزيمة مجرّد وقود لاقتتال أهلي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 3/12/2024 
حدث اليوم - الثلاثاء 3 كانون الأول 2024 
مصطفى الذي لم يغادر حارة حريك
03-12-2024
تقرير
مصطفى الذي لم يغادر حارة حريك
نتنياهو: وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء الحرب 
ما هي الفصائل المُشاركة في عمليّة «ردع العدوان»؟
الراعي جمال صعب شهيدٌ جديدٌ للخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار