تعليق سوريا
سامر فرنجية

«وقائع مجزرة معلنة»

عنوانٌ مكرّرٌ لواقعٍ متكرّرٍ

21 تموز 2025

تفاصيل غير مهمّة

تفاصيل ما جرى غير مهمّة. 
ربّما بدأ الاقتتال باختطاف شخص، أو جراء ردّة فعل أقربائه، وربّما بعدما انتشرت أولى الصور لتجاوزات وانتهاكات، على يد «فصائل» أو قوى «رسمية». أو عندما صرّح أحدهم، أو ردّ عليه آخر. أو عندما خرق هذا الطرف وقف إطلاق النار، أو لم يخرقه. التفاصيل تبدو غير مهّمة لأنّه كان من الممكن استبدالها بأي تسلسل آخر للأحداث، وكنّا لنصل إلى النتيجة ذاتها: أكثر من 700 قتيل بأقل من بضعة أيام. 
دوران العنف بات هنا، وأي حركة أو كلمة ستعيد تكرار تسلسل الخطوات ذاتها لتنتهي بمجزرة. فلول النظام من هنا، فصائل خارجة عن النظام من هناك، ربّما مهرّبون غدًا أو القاعدة. نقطة البداية غير مهمة، فالختام بات معروفًا. 


عنف الدولة وأعذارها

الأعذار لم تعد مهمّة أيضًا. 
فمع تسلسل العنف، جاء تسلسل الأعذار: فصائل خارجة عن سيطرة الدولة، انتهاكات بحق القوى الأمنية، ردّة فعل على انتهاكات سابقة، عنف العقد الأخير، ضعف إمكانيات الدولة، ضرورة بسط سيادة الدولة. لكنّ تسلسل الأعذار بات يُفقدها مصداقيتها، لتتحوّل الأعذار إلى وجه العنف المقبول، وجهه الرسمي. فهناك مَن فهمَ «المرحلة الانتقالية» كمرحلة يُسمَح فيها العنفُ إن رافقته الأعذار، وهذا ما يفرّقه عن النظام السابق. لكنّ العنف عنيد، وما سيبقى من هذه «المرحلة الانتقالية»، هو هو عنفها، وليس الأعذار التي رافقت هذا العنف الذي سيرسم معالم الدولة القادمة.


الطائفية كخطاب الحدّ الأدنى

التفاصيل والأعذار لم تعد مهمّة، لأنّ العنف يبسّط ويرجع الحياة إلى «حدّها الأدنى».
فالكلام عن «عدالة انتقالية» و«مسار سياسي» و«حوار وطني» و«دستور جديد» يتطلّب إمكانية الابتعاد ولو للحظة عن العنف ومقتضياته. في غياب هذه المسافة، تعود السياسة إلى «حدّها الأدنى»، إلى لحظة حالة الطبيعة عند هوبز، حالة يبدو فيها الكلام، أي كلام، خارجاً عن السياق. والطائفية هنا ليست بنى أهلية أو انتماءً دينياً، مهما كان مركّباً، بل هي لغَة الحدّ الأدنى، لغَة تدّعي العودة إلى الأصل الثابت، قبل الكلام. هكذا خاطب المبعوث الأميركي إلى بلاد الشام المتصارعين بولاءاتهم الأوليّة «الدروز والبدو والسنّة»، فما من سوريين أو دولة أو حدود في لحظة حالة الطبيعة، بل مجرّد مكوّنات أوليّة. 


الدولة والطائفيّة

المفارقة، والتي ليست مفارقة، هي أنّ لحظة التطييف هي لحظة بناء الدولة.
غالبًا ما وُضِعت الدولة الحديثة في مواجهة البنى الطائفية، كترياقها أو لحظة تجاوزها. لكنّ ما أظهرته التجارب في المنطقة، هو تماهي الدولة مع التطييف، أكان من باب سيطرة طائفة على جهاز الدولة أو تحويل الطوائف إلى مكوّنات هذه الدولة. وربّما كان ما يجري من خلال هذه المجازر هو التفاوض على أيّ نوع «تطييف دولتيّ» ستتّبعه سوريا اليوم، دولة طائفة أو دولة طائفية. سوف يعترض البعض على حتمية هذه الخلاصة، متحجّجاً بتاريخية الطوائف وسياقات سوريا الخاصة وطبيعة الحكم الجديد، لكنّ هذا لن يلغي أنّ أفق المستقبل يضيق، مجزرةً بعد أخرى.  


الخيبة جرّاء النصر

اعتدنا على الخيبات بعد فشل الثورات، وهذا ما شكّل تربة التفكير السياسي في السنوات الأخيرة. لكنّ الخيبات الفعلية هي التي تنبع من «نجاح» الثورات. فإذا كانت الخيبات الأولى غالبًا ما تنتهي بنوع من الميلانكوليا المُشِلّة، فإنّ الخيبات الثانية قد تنتج تحوّلات بالأفكار السياسية. والخيبة اليوم تأخذ شكل حتمية هذا العنف ومساره، وكأنّ السؤال لم يعد «هل سيحصل هذا؟» بل «لماذا يحصل هذا دائمًا؟». هو انتقال من سؤال إرادويّ، يُطرح من داخل السياق السياسي، إلى سؤال بنيوي، يسأله من نُفي من السياسة، ومن بات يكرّر عناوين مقالاته، ربّما من وراء كسل فكري أو مجرّد ضجر من واقع بات يعلن رغباته الدموية بوضوح.


«وعد الثورة» الذي قضى تحت العنف

مع انحلال الخطابات أمام العنف، هناك كلمة بات وجودها اليوم ملتبساً، وهي «الثورة». فالثورة تشكّل، سواء أردنا ذلك أم لا، أحد مصادر شرعية النظام الجديد، النابع عنها، أو على الأقلّ، عن حيّز منها. قد لا يعني الحاكم الجديد بكلمة ثورة ما كان يطمح له العديد ممّن شارك وضحى واستشهد من أجلها، أي التطلّعات التحرّرية الأوسع التي تطمح لنظام عادل وحرّ. لكنّ هذا الخلاف حول مضمون الكلمة هو خلاف يصلح فقط في اللحظة التي يكون فيها للكلام دور. أمّا ما يتمّ القضاء عليه في لحظة العنف الحالية، فليس هذا التعريف أو ذاك، بل هو «وعد الثورة» نفسه، أي الوعد بأنّ هناك إمكانية لبناء نظام يفوق الحدّ الأدنى ويتّسع لسلطة الكلام، مهما كانت. وهذا ما لم يستطع الأسد القضاء عليه، رغم عنفه الإبادي في الداخل، فبقيت «الثورة» وعداً يُحرّك المخيّلة السياسية. أمّا اليوم، في لحظة «القمع الشعبي» الذي لا يصل إلى درجات العنف الأسدية، فلم يعد هناك وعد يمكن أن يشكّل منطلقًا لرفض النظام. المستقبل بات هنا. 


سوريا مُصغَّرٌ عن الشرق الأوسط الجديد

كُتِب الكثير عن شخصية الشرع، وطبيعة التأثيرات السياسية والثقافية على فكره السياسي وممارسته. وغالبًا ما كانت صفة «البراغماتية» تعود في التحاليل كإحدى نقاطه الإيجابية، والتي كانت تعني أنّه لن يفرض نظامًا إسلاميًا متشدّدًا. لكنّ هناك معنى آخر للـ«براغماتية»، وهو أنّ مخيلة الشرع السياسية هي مجرّد ما يبدو سائدًا في هذه اللحظة. فهو لن يخالف ما يبدو أنّه الأيديولوجية الصاعدة في الشرق الأوسط، و«براغماتيّته» تعني أنّ منبع أفكاره ليس في تاريخه، بل في حاضر المنطقة.
وما هي هذه الأيديولوجية إن لم تكن الطموح إلى أنظمة ليس للكلمة فيها من مكان، أنظمة باتت تنظر إلى الخليج كنموذج «الدولة الفاضلة»، دول تدمج بين «التطبيع» كسياسة خارجية، و«إسلام معتدل»، بمعنى التماهي مع متطلبات الرأسمالية المتحوّلة، وأنظمة «قمعية ناعمة»، تقايض الحياة الاستهلاكية بالحقوق السياسية. أي أنظمة «الحد الأدنى» التي، مهما كانت متقدّمة تقنيًا، تقوم على التخلّص من السياسة، أكان إسمها فلسطين أو الديموقراطية أو الحقوق، من أجل «حدّ أدنى» من الاستقرار والثبات. أنظمة وجدت رافعتها الشعبية بعقد الدمار والمآسي والإبادات، لكي تعرض هذه المقايضة على من لا يزال يسكن هذه المنطقة. بهذا المعنى، ما يبنيه اليوم الشرع بـ«مخيلته البراغماتية» ليس «نظام ما بعد الأسد»، بل «نظام ما بعد الثورة السوريّة». 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
4 شهداء في الغارات الإسرائيلية على لبنان الخميس
أنطون الصحناوي يموّل أوپرا إسرائيليّة 
01-08-2025
أخبار
أنطون الصحناوي يموّل أوپرا إسرائيليّة 
الشرع يشكّل لجنة تحقيق بأحداث السويداء
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 1/8/2025
نقد

زياد الرحباني بعيون سوريّة

محمد علي الأتاسي
محاكمة 4 من رموز نظام الأسد