شعار «التغيير» سخيف نوعًا ما.
كلمة واحدة، قد تبدو في الظاهر كأنها فكرة سياسية، ولكنّها في الحقيقة لا تعني شيئًا بحدّ ذاتها.
«التغيير» هو الشعار المثالي للتسويق الإعلامي.
فهو يمتلك كل مقوّمات الشعارات التي «تبيع»:
بسيط وموسيقي. سهل الإستهلاك وجميل اللفظ. يخبر قصّة بطولة رومانسية. شعار شعبوي بامتياز. فهو الشعار نفسه الذي تبنّاها بيّ الكلّ عنوانًا لتكتّله - «التغيير والإصلاح» شعار يلمّح لراديكالية ما، لكنّه لا يسيء إلى أحد.
قد يعني تغيير النظام الطائفي إلى نظام علماني، وتغيير مجلس المجرمين إلى برلمان ديمقراطي، وتغيير مجلس ذكوري إلى يوتوبيا نسوية.
ولكنّه قد يعني أيضًا - بنفس السهولة - «تغيير» أملاك الدولة إلى أملاك خاصة، أو «تغيير» السوريين والمثليين في لبنان إلى كبش محرقة.
في هيك وفي هيك: 13 نائب تغييري- 13 تفسيرًا مخلتفًا للتغيير.
لأنّ «التغيير» كلمة لا تعني شيئًا من دون تشخيص موحّد لما هو الذي سيتغيّر، ومن دون رؤية مشتركة لكيفية تغييره. وبما أننا نحن (كتغييريين، طبعًا) ليس لدينا تشخيص موحّد للنظام ومشاكله، وليس لدينا رؤية مشتركة للبديل ومشاريعه، كان خيارنا الوحيد في الانتخابات الالتفاف حول شعار لبّيس، وعد بالكثير ولم يلزمنا بشيء. لم نصوّت في الانتخابات لمشروعٍ جديد، صوّتنا ضدّ المشروع الحالي، فقط لا غير.
وبالفعل، نجحت الخطّة. اخترقنا جدار المجلس وحرّاسه. دخلنا إلى قاعة البرلمان. جلسنا على طبقات التغيير وصوّتنا للعدالة، وأصبح شعارنا على الشاشات.
رغم الإنجاز التاريخي هذا (وهو فعلًا إنجاز بنظري)، انتهينا أمام جدار الخيبة، لنواجه الحقيقة المُرّة التي كنّا نريد أن نتناساها لأشهر: حقيقة علمّتنا إياها الشوارع الفارغة بعد 17 تشرين، ثم الشوارع الفارغة بعد مشانق 8 آب.
فرغم أننا نتّفق فيما بيننا على محاربة للنظام، لا نتفق على شكل النظام الذي نحاربه ولا على حدوده، ولا على شكل البديل. التغيير شعارنا، ولكنه شعار فارغ. وحان الوقت لكي نملأه قبل أن يفرّغنا هو.
المهمّة المستحيلة
نحن اليوم (كتغييرين، طبعًا) أمام معضلة. فبعد عامّين من المطالبة بإسقاط النظام، ها نحن اليوم ممثلين بنوّاب جالسين على بعد أمتارٍ من سعادات النظام أنفسهم. دخلوا إلى لجانٍ يسيطر عليها النظام، وسيعملون معه كتفٍ إلى كتف. أمام هذه المفارقة، يطالب الرأي العام النواب التغييرين بأن يلعبوا دورَين متناقضَين في المجلس، يندرجان معًا تحت عنوان التغيير.
البعض يريد من «التغييريين» أن يحافظوا على طهارة 17 تشرين (التي لم تكن يومًا طاهرةً) وراديكاليتها. بالنسبة لهؤلاء، التغيير هو التخريب الثوري. تخريب المجلس. إزعاج برّي. رفض التسويات. الامتناع عن الاعتراف بالنظام.
تجسّد هذا الرأي، في الانتقاد الذي توجّه إلى نوّاب المعارضة بعد تصويت البعض منهم للمرشّح لمنصب نيابة رئيس مجلس النواب الياس سكاف، لكونه مدعومًا من الحزب الإشتراكي. شكّلت الخطوة هذه بالنسبة لهؤلاء النقّاد سقوطًا محرجًا لوعود «التغيير» ونوابه. فكيف لهم أن يغيّروا النظام من خلال التصويت لمرشّحيه؟ ماذا تعني 17 تشرين متى جلست على طاولة النظام؟
في المقابل يطالب البعض الآخر (أو حتى البعض نفسه) النوّاب بالعكس تمامًا. يريدون منهم الإبتعاد عن المشهدية والشعارات على أنواعها. يطالب هذا البعض بتحقيق إنجازاتٍ ملموسة: إسقاط برّي. إسقاط بو صعب. الفوز في اللجان.
التغيير لهؤلاء، هو بالنتيجة. إلّا أنّ تحقيق هذه النتائج الملموسة يبقى مهمّة مستحيلة لكتلة صغيرة في المجلس. لا يمكن للتغييرين أن يصوّتوا لأي تغيير حقيقي، إلّا إذا تحالفوا مع كتلٍ أخرى وشكلّوا أكثريّة ما. إذا لعبوا لعبة النظام، بمعنى آخر، وهي لعبة التسويات والتفاهمات والصفقات.
هناك من يريد التغيير الأول، ومن يريد التغيير الثاني، ومن يريد عبثًا التغييرَين معًا. إلّا أنّ كل هذه الخيارات تشكّل خيانة للأخرى. أمّا الحل الوسط، فليس من حلّ. الحلّ الوسط هو مساومة بالمواقف، من دون مكافأة سياسية، وهذا ما فعله النوّاب.
النظام على حقّ
يستفيد النظام من هذه الضبابية. فعندما رفض النائب التغييري فراس حمدان تكريس الطائفية في عملية التصويت لأعضاء هيئة المجلس، أجابه النائب الاشتراكي هادي أبو الحسن متهكّمًا: أنت ترشّحت عالمقعد العلماني بالإنتخابات؟ يفهم النظام إستحالة مهمّة النواب الجدد، ويستفيد من تشرذمهم لُيشَيطن 17 ترشين بأكملها.
لا يوفّر النظام فرصة لتذكيرنا بتناقضات معارضاتنا وإختلافاتها. لكن، ما لا يدركه النظام هو أنّ التناقضات والاختلافات هي جوهر 17 تشرين. فالمطلوب لم يكن يومًا كتلة تغيير موّحدة ولا إجماع شعبي حول معنى التغيير.
لم يكن يومًا التغيير مطلب الشارع، وهو لطالما كان مطلباً للإعلام وحملات التسويق الإنتخابية.
الشارع يريد إسقاط النظام: هذا النظام الموّحد النظيف الخالي من التناقضات. هذا هو مطلبنا وسيبقى مطلبنا، وكخطوةٍ تغييرية أولى من هذه المرحلة لتحقيق مطلبنا، لم لا نبدأ بتغيير الشّعار.