تعليق دولة حزب الله
سامر فرنجية

مواكب العودة إلى الداخل

حزب الله يأمُرنا: هذا نصر

30 كانون الثاني 2025

البحث عمَّن خسر الحرب

لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت بعد إبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار، حتى بدأ السجال حول نتائج هذه الحروب. المقاومات وجدتْ في فعل استمرارها نصرًا على عدوّ تعهّد بالقضاء الكامل عليها، كما اعتبرت أنّ فضحه كماكينة قتل إبادية خسارة له. بالنسبة لهذه المقاومات، حسابات النصر والهزيمة غير مرتبطة بداخلها المدمّر والمهجّر، بل هي جزء من السجال الداخلي للعدوّ، حجج موجّهة إلى رأيه العام المنقسم حول الحرب. «صمود» حركات المقاومة لا يدخل ضمن حسابات الفلسطينيّين أو اللبنانيّين، الذين صمدوا أصلًا، بل هو رسالة لهذا العدوّ الذي اعتبر أنّ القضاء على أبرز قياديّي حركات المقاومات وتدمير معظم ترسانتها العسكرية يشكّلان نصره. بكلام آخر، حسابات الربح والخسارة هي جزء من حرب المساءلة التي بدأت بعد انتهاء الحرب العسكرية، وهذه الحرب تدور في الداخل الإسرائيلي حاليًا. 


الأهالي يحرّرون ما خسرتْه المقاومات

من جنوب لبنان إلى غزّة، مشهد واحد، وهو عودة الأهالي إلى مناطقهم، رغم التهديدات، وغالبًا تحت قصف الجيش الإسرائيلي. في هذه العودة الملحمية لمئات آلاف النازحين صفعة لمخطّطات جيش الاحتلال الذي لم يُخفِ رغباته الاستيطانية. كما شكّلت هذه العودة، بحدّ ذاتها، فعلاً سياسياً يعاند قرار الجيش الإسرائيلي عدم الانسحاب من خمس نقاط في جنوب لبنان أو يدفع ترامب لكشف مخططاته الداعية إلى «تطهير» القطاع. ورغم اعتبار هذه العودات من قبل حركات المقاومة كإشارة إضافية لانتصارها، فلا يمكن إلّا ملاحظة أنّ فعل الأهالي جاء ليعوّض ما خسرته تلك المقاومات عسكريًا. بكلام آخر، حرّر الأهالي ما خسرته المقاومات، المناط بها الدفاع عنهم. 


الموكب موكبان

لبنان ليس غزّة، وهنا ندخل في خصوصيات الساحات. فالموكب اللبناني الذي انطلق جنوبًا، عاد وتحوّل ليلًا إلى مسيرات جابت شوارع العاصمة، لتستعجل عادة استغلال «انتصار» العودة داخليًا. هنا أيضًا، لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت لكي يعود حزب الله إلى ممارسة البلطجة داخليًا، كما اعتاد في الماضي، أكان في 7 أيار أو من خلال مسرحيات «القمصان السود» أو بعد «ثورة تشرين». في لحظة ضعفه الراهنة، لم يكرّر حزب الله مشهد الـ2000، أي تحرير الجنوب من خلال زحف شعبي، ولا مشهد انتصار الـ2006، كما حاول أمينه العام الجديد تصوير نتائج الحرب الأخيرة، أو حتى مشهد الـ2008 عندما غازل الحرب الأهلية بغية السيطرة السياسية. هو يكرّر مشهد الـ2005، عندما رفض إجماعاً ناشئاً كان من الممكن أن يشارك فيه، ليضع نفسه وطائفته في وجه باقي مكوّنات البلد. 


قول النصر لا فعله

لكنّ للمقارنات مع الماضي حدوداً. فهي غالبًا ما تخفي أكثر مما توضح. ورغم محاولات حزب الله استنساخ مناخ الـ2006، كان واضحًا في خطاب أمينه العام الجديد حدود هذه التجربة، وكأنّ الخطاب في الظاهر يتمسّك بعنتريات الحزب، ولكنّه بالمضمون يعترف بعمق التحوّلات التي طرأت على منظومة الحزب. لم يهدف هذا الخطاب للتعليق على انتصار في الميدان، فهو يدرك أنّ ما مِن انتصار هناك. هدف الخطاب هو قول الانتصار، أي التمسّك خطابيًا به. كان الخطاب فعلاً «لقول نصر» غير موجود إلّا بين كلماته، وليس قولاً «لفعل نصر» حصل في الميدان. 

سجِّلوا لديكم، هذا نصر. فعل أمر من قائد خسر، يحاول إقناع جمهوره، والذي حسب الأمين العام،  لديه تساؤلات وتفاجأ بما حصل… إذ أن الحادث كان كبيراً جداً والحرب كانت كبيرة جداً. رغم هذه التساؤلات، سجِّلوا لديكم، هذا نصر، والدمار واستحالة إعادة إعمار، سجِّلوا لديكم، هذا نصر، واغتيال القادة والخرق الاستخباراتي الضخم، سجِّلوا لديكم، هذا نصر، وسقوط الحليف وفرض وقف إطلاق نار مذلّ، سجِّلوا لديكم، هذا نصر، والعزلة الداخلية والإقليمية، سجِّلوا لديكم، هذا نصر

هذا نصر إذن، لكنّه نصر من نوع جديد. فقد أعاد أمينُ عام ما بعد الهزيمة تعريف المقاومة، بعدما تمّ تضخيمها بالسنوات الماضية لتصبح عقيدة ردع، كان يراد منها إعادة التوازن إلى الميدان، بعد عقود من الضعف. إنّه نصر لكن مع مقاومة أكثر تواضعاً: مهما راكمت المقاومة من قدرات، يجب أن نعترف ونكون واضحين جدّاً، يوجد تفوّق عسكري استثنائي إسرائيلي أميركي في مقابل القدرات العسكرية الموجودة عند المقاومة. في وضع كهذا، لم تعد المقاومة خياراً عسكريًا أو عقلانيًا، يراد منها أنّ تشكّل رافعة الاستراتيجية الدفاعية للبلاد. باتت مجرّد خيار: المقاومة خيار، خيار عقائدي وسياسي ووطني وإنساني لمواجهة الاحتلال ومواجهة أطماعه، وتحرير الأرض المحتلة

سجِّلوا لديكم هذا نصر، فعل أمر. أنظروا إليها تحترق، فعل إقناع. المقاومة لم تعُد تُقنع، باتت تحاول أن تستجدي فعل النصر، أن تفرضه كأمر. 


الموكبان موكب، لكنّ الشعب شعبان

في سياق إعادة تعريف المقاومة، وفي ظل انهيار مشروعها الإقليمي والداخلي، تأخذ مسيرات حزب الله طابعًا مختلفًا عمّا كانت تشكّله في الماضي من تهديد أو بلطجة. فهي ليست تذكيرًا بأنّ حزب الله لم يضعف، كما أراد مهندسها أن يوحي. هي اليوم تؤكّد أنّ هذا «الشعب»، الذي يراد منه أن يكون جزءًا من الثلاثيات التي تتنافس، بات «شعبَيْن»، شعب يعيش في زمن الحرب والعودة والدمار والتهديد وآخر في زمن حرب مجاورة، العودة الوحيدة فيها هي العودة إلى «الحياة الطبيعية». هذا الموكب الليلي هو محاولة بائسة للسيطرة، لكنّه تذكير بأنّه بات في البلد الواحد تجارب حياة مختلفة إلى حد الانفصال. فالخطر اليوم لا يأتي من رغبة حزب الله للسيطرة وحسب، بل من الشرخ المجتمعي الذي ساهم هو في خلقه، والذي بات اليوم ماديًا، أي أنّه مغروس في تجارب حياة، اختلافها لم يعد ينضبط ضمن عبارة «شعب». 

يمكن العودة إلى سجال الهزيمة والانتصار، والردّ على خطاب حزب الله لإقناعه بأنّه خسر ودعوته لدخول إجماع لبناني. لكنّ هذا بات خارج السياق. المعضلة الفعلية التي فجّرتها الحرب، هي أنّه بات هناك تجربتان للحياة مع وجدانَيْن وقناعتَيْن وزمانَيْن. قد تكون المكابرة على هذه الحقيقة، من قبل طرفَيْ هذه المعادلة، هي الهزيمة الفعليّة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
أوّل عمليات إجلاء المرضى عبر معبر رفح 
183 أسيراً فلسطينياً إلى الحريّة اليوم
القسّام تُطلق سراح 3 أسرى إسرائيليّين
قضية الأسبوع

إطباق الحصار على العهد

ميغافون ㅤ
توثيق انتهاكات خلال الحملات الأمنيّة في حمص 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 31/01/2025