تعليق سوريا
صهيب أيّوب

«أنصار السنّة» والكنيسة والشرع 

الهشاشة أوّلاً!

26 حزيران 2025

عزاؤكم لا يكفينا
البطريرك اليازجي متوجهاً الى أحمد الشرع  

ما بين التنظيمين

تخفي الرسالة التي بثّها تنظيم «سرايا أنصار السنّة» العلاقة الضمنية بينه وبين تنظيم «داعش». ففي البيان الذي بثّه بعد تنفيذه التفجير الإرهابي لكنيسة مار الياس، يمكن التكهن باللغة المشتركة بين فكر التنظيمين، ويمكن اعتبار أن السرايا تستلهم مفرداتها المتوحشة وعنف مخطّطاتها وحتى أسلوب كتابتها للبيانات وبثها على «تلغرام» من موروث «داعش». وحتى لو لم تكن هناك مسارات تنسيق بين التنظيمين، إلّا أنّ النبرة الطائفية وطرق تنفيذ العمليات الجهادية، واحدة، وتبدو على تقاطعات في ظروف انتقالية هشّة تعيشها سوريا، وضمن توترات يشهدها الإقليم، مع التوحش الإسرائيلي والصواريخ المتبادلة مع إيران.

وضمن هذه الظروف، يبدو أنّ «داعش» يتهيّأ إلى العودة والتمدّد، لكن هذه المرة في قلب العاصمة السورية، معقل حكم أحمد الشرع. هو تمدّد بنيوي يوضّح نوايا الفئات الجهادية باستغلال المدن السنية الكبرى لإيصال رسائلها، ولتعكير صفو نسيجها، باللعب الطائفي. وهو عادة ما ترفضه البيئات السنية السورية، المعروفة باعتدالها وبتعايشها لقرون مع المكونات السورية الأخرى. وبهذا تنفّذ أعمال هذه التنظيمات أجندات استخبارية، تصبّ بمجملها في خدمة سردية النظام الآفل، والذي كان يتشدّق بحماية الأقليات من التوحّش السنّي. 

بين النشوة السنّية والغضب من الشرع

لا يبدو أنّ تنظيم «أنصار السنّة» هو ابن لحظة سياسيّة مستجدّة، بل هو امتداد لفكر «داعش» ولغوياته، وأيضاً لحراكه المرتبط بجهات استخبارية، كما هو استكمال لخطاب أيديولوجيّ يجد صداه بعد سقوط نظام الأسد، مع لهجة الانتصار السنّي ونشوته بعد وصول أحمد الشرع إلى الحكم. وتنظيم «أنصار السنة» الذي يُعدّ من الفصائل الجهادية الخطيرة التي ظهرت بعد سقوط النظام، تمّ الإعلان عنه في شباط الماضي، ويقوده منشقّ سابق عن «هيئة تحرير الشام»، يدعى أبو عائشة الشامي، خرج من الهيئة محتجّاً على ما وصفه بالتساهل تجاه الطوائف الأخرى.

يقوم مشروع هذا التنظيم على تنفيذ عمليات «تطهير عقائدية»، مستندًا إلى فكر جهادي، يستعدي كلّ مَن لا ينضوي تحت النهج السنّي الجهادي، وهو يعادي بطبيعة الحال، الشيعة والدروز والعلويين والمسيحيين، وكل من يعارضه حتى من أبناء جلدته. ولا يتوانى هذا التنظيم بالتعبير عن استكباره على نظام أحمد الشرع الجديد ومعاداته. فيُعَدّ هذا التنظيم من المجموعات المتطرّفة الغاضبة بشكل حادّ على حكومة الشرع، ويعمل، بأدوات داخلية وخارجية، على استضعافه ومواجهته والانقلاب عليه من خلال الضغط عبر الطائفية، والاعتداء على الأقليات. فيمكن فهم هذا الهجوم الطائفي الارهابي بحقّ المكون المسيحي في سوريا، في هذا السياق، كدلالة واضحة على محاولة جهات، استخبارية وجهادية وفلول نظام، اللعب على «حساسية» الوضع السوري الحالي، وانتهازه للفراغ الأمني وتفكك المؤسسات. فالهجوم يأتي على تقاطع هذه النشوة مع الغضب ممّا يعتبره التنظيم منافساً على ترؤُّس تلك المؤسسات. 

الدولة السوريّة والإرهاب

يُعَدّ تفجير كنيسة مار إلياس واحداً من أكبر المجازر التي استهدفت المسيحيّين في سوريا منذ المذابح الطائفية في العام 1860 في عهد السلطنة العثمانية. فهل ستستطيع الدولة السورية الجديدة الدفع بمكوّناتها للمواجهة مع هذه التنظيمات؟ هذا سؤال مشروع ويحق لكل سوري وسوريّة ومن كل المكونات الطائفية طرحه في ظل هذا الخوف من الاعتداءات والتفجيرات الانتحارية، التي من شأنها أن تفتح مجدداً جهنم النار والدم والفوضى. لكن يبدو أن لغة النظام الجديد هي لغة لا تنشد إلا الغنائية التي لا تقدّم شيئاً ملموساً، حتى أنها في بعض الأحيان تفشل فشلاً ذريعاً في مقاربة الملف الأمني مقاربة علمية وواقعية. ففي الوقت الذي تنشغل فيه سلطة أحمد الشرع بمن يرتدي البيكيني ومن يحتسي العرق في بارات باب توما، تنسى السلطة بسط قوتها وتعزيز قدراتها في محاربة الأفكار المتطرفة والانتباه إلى الثغرات التي يمكن أن تستغلها الحركات الجهادية. 

ويبدو أن ما قاله البطريرك يوحنا اليازجي متوجهاً إلى أحمد الشرع، يجعلنا نسأل عن الضرورة القصوى اليوم لصياغة خطاب جماعيّ سوريّ، يهدف إلى نبذ التطرّف ومعاداة الكراهية، إضافةً إلى إعادة النظر في عقد اجتماعي جديد من شأنه أن يوضح العلاقة التاريخية الموجودة بين الطوائف، وهي علاقة مشهود لها بالتعايش والانتظام. فهل حكومة الشرع قادرة على مساءلة نفسها وتخطّي هذه التحدّيات والتعامل معها بمسؤولية وجدية؟ أم أنّنا أمام واقع جديد يعيد إلى اذهاننا السيناريو العراقي بعد خروج الأميركيّين؟ الوقت وحده يملك الأجوبة في مرحلة «الهشاشة أوّلاً». 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
حرب التعطيش الإسرائيليّة على غزّة
ترامب يُقحم نفسه باحتفالات تشيلسي 
السويداء: 37 قتيلاً في الاشتباكات بين العشائر والفصائل الدرزيّة
نقد

إلى عالمٍ مجهول

خالد صاغيّة
«أسطول الحرية» يُطلق «حنظلة» لكسر الحصار على غزّة  
فكشن

10: حين أصابَ السهمُ قلبي لم أمُت لكنّي متُّ حين رأيتُ مَن رماه

عمر ليزا وكارن كيروز